الثلاثاء 30 يناير 2024 16:37 م بتوقيت القدس
كانت مشاركة كبار المسؤولين الأميركيين تهدف بداية إلى توفير الخبرة والتجربة المباشرة، فضلا عما وُصف في كثير من الأحيان بأنه "طرح الأسئلة الصعبة"، وذلك في سياق إستراتيجية "عناق الدب" التي ينتهجها الرئيس الأميركي جو بايدن، باستخدام الدعم العام للاستفادة من الضغط العام، ولكن مع استمرار الحرب بلا هوادة وتجاهل وجهة النظر الأميركية، تم تكليف هؤلاء المسؤولين بإدارة العلاقات مع تصاعد التوترات.
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة هآرتس مقالا لبن سامويلز حاول فيه إلقاء الضوء على الفريق الضيق الذي يدير حقيقة سياسة بايدن تجاه إسرائيل وغزة، سواء تعلق الأمر بمفاوضات استعادة المحتجزين الإسرائيليين في غزة، أو بمنع حرب غزة من الانتشار إلى لبنان وعبر الشرق الأوسط، أو بضمان عدم تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، أو بالحفاظ على مكانة إسرائيل الدبلوماسية إقليميا وعالميا، أو بمحاولة تنشيط السلطة الفلسطينية على الطريق نحو حل الدولتين بعد الحرب، أو ربما بقائمة متزايدة من المشاغل.
الدائرة الضيقة
وتضم 5 مسؤولين، بدءا بوزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي يعمل بشكل فعال كمقياس عام لرد الإدارة، وقدمت خطاباته خلال جولاته المكوكية العديدة في الأشهر التي تلت الهجوم، رؤية الولايات المتحدة للحقائق على الأرض، وما تعكسه من القلق المتزايد بشكل مطرد بشأن الأزمة الإنسانية في غزة وفشل إسرائيل في الحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
وقد لخصت "اللاءات الخمس" في خطابه في طوكيو يوم الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، المبادئ الأميركية بشأن حرب غزة ومستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي "لا تهجير قسريا للفلسطينيين من غزة الآن ولا بعد الحرب، لا لاستخدام غزة كمنصة، لا لإعادة احتلال غزة بعد انتهاء الحرب، لا لحصار غزة أو إغلاقها، ولا لتقليص مساحة غزة، ولكنه يجب أيضا ضمان عدم وجود تهديدات إرهابية من الضفة الغربية".
ويعد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، وخاصة من خلال نائبه الأعلى جون فاينر وكبير مستشاري الشرق الأوسط بريت ماكغورك، أقرب الأصوات إلى أذن بايدن في جميع شؤون السياسة الخارجية.
وكان هؤلاء من بين أقوى المدافعين عن إعادة ترتيب أولويات التكامل الإقليمي الإسرائيلي قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلى أن أدى هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى قلب هذا النهج رأسا على عقب.
ومنذ ذلك الحين، كثفوا جهودهم علنا وفي السر لتحفيز التطبيع الإسرائيلي السعودي كمسار نحو حل الدولتين.
وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، أبرز مسؤول يتحدث علنا بشأن الحرب، وقد نال استحسان المؤسسة اليهودية الأميركية الموالية لإسرائيل لدفاعه المستميت عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ورفض اتهامات الإبادة الجماعية.
كبار المسؤولين
وأشارت الصحيفة إلى أن كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي استغلت عمدا في السياسة الخارجية، وقد أدى خطابها في قمة المناخ 28 الذي حثت فيه إسرائيل على بذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين، إلى اعتقاد العديد من المراقبين أنه تم تعريضها للعب الدور "القذر"، ولكن زوجها اليهودي دوغ إيمهوف كان بمثابة وجه الإدارة لمكافحة معاداة السامية المحلية المتزايدة الناجمة عن الحرب.
أما سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، فكانت في عزلة متزايدة على الساحة العالمية، حيث تطالب غالبية دول العالم إسرائيل بتغيير مسارها في غزة لحماية المدنيين بشكل أفضل وزيادة المساعدات الإنسانية بشكل كبير، في حين كانت الولايات المتحدة تستخدم حق النقض الفيتو ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار وحيدة تقريبا.
وقد عمل سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل جاك ليو، الذي تم تعيينه بشكل مستعجل في غضون أسابيع بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كمحاور رئيسي على الأرض بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، وخاصة فيما يتعلق بتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة، فضلا عن الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، مع إبقاء السلطة الفلسطينية قادرة على السداد وسط عنف المستوطنين داخل الضفة الغربية، واستمرار الحكومة الإسرائيلية في احتجاز عائدات الضرائب الفلسطينية.
مفاوضات المحتجزين
ومع أن ماكغورك يشارك في كل شاردة وواردة من الصراع، فإن اهتمامه ينصب بشكل متزايد في جهود التفاوض على المحتجزين باعتباره مفتاحا لإنهاء الحرب والانتقال إلى التطبيع وجهود حل الدولتين، إلا أن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز هو من يتولى قيادة المفاوضات بشأن المحتجزين.
ويدعم جهود بيرنز روجر كارستينز الذي يعمل في وزارة الخارجية كمبعوث رئاسي أميركي خاص لشؤون المحتجزين، ونائبه ستيفن جيلين الذي سافر إلى إسرائيل إلى جانب بلينكن مباشرة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبقي هناك للعمل مع عائلات المحتجزين.
وبقي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن على اتصال مستمر مع نظيريه الإسرائيليين وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي هرتسي هاليفي، حيث تلقى تحديثات تكتيكية حول العمليات العسكرية الإسرائيلية وقدم تجاربه ودروسه الخاصة حول حرب المدن، وعمل على تعزيز الموقف العسكري الأميركي كرادع محتمل لإيران ووكلائها الإقليميين.
ومع تطور الحرب وتزايد التوترات على الحدود اللبنانية ومع الحوثيين في البحر الأحمر، تم تكليفه بنقل استياء الولايات المتحدة من التكتيكات الإسرائيلية بسبب التداعيات الإقليمية.
وقد تم تكليف مبعوث بايدن الكبير بلبنان آموس هوكشتاين بالتوصل إلى حل دبلوماسي لاتفاق محتمل لإنشاء منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع، للمضي قدما نحو اتفاق حدودي طويل الأجل في نهاية المطاف.
الأزمة الإنسانية
ومع أن بايدن لم يعين مبعوثا خاصا للإشراف على الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد عين ديفيد ساترفيلد مبعوثا خاصا للأزمة الإنسانية في غزة بعد أيام من الحرب.
وعمل ساترفيلد مع الحكومة الإسرائيلية لتوسيع المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة مع تزايد مخاطر المجاعة والمرض، وقد دافع عن حرية حركة الفلسطينيين في غزة والحاجة إلى آليات جديدة لمنع الاشتباك، كما تقول هآرتس.
ومن ناحيتها، لعبت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور دورا مهما في تنسيق الجهود الأميركية لتقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين، حيث سافرت إلى مصر وأشرفت على تسليم 500 ألف رطل من المساعدات الغذائية وعشرات الملايين من الدولارات كمساعدات تكميلية، مع إنشاء مستشفى ميداني وتوسيع المساعدات لتشمل السلع التجارية.
ورغم التقدم الذي تم إحرازه في نقل الدقيق عبر ميناء أشدود، وتبسيط عملية تسليم المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، والسماح لبعثة الأمم المتحدة بزيارة شمال غزة لتقييم إمكانية عودة الفلسطينيين النازحين، فإن كبار المسؤولين الأميركيين يدركون أن جهودهم تواجه عقبات كبيرة، كما تقول الصحيفة.
الفلسطينيون
وناقش سوليفان بشكل مباشر الحاجة إلى إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية خلال اجتماعه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تشمل خطوات لتنشيط القيادة، وحاجة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية للمساعدة في الحفاظ على النظام في الضفة الغربية ولعب دور محتمل في غزة ما بعد الحرب.
وفي الوقت نفسه، يعمل كبار المسؤولين في وزارة الخارجية على الحفاظ على العلاقات مع السلطة الفلسطينية، التي أصبح دورها الحالي والمستقبلي كهيئة حاكمة للفلسطينيين نقطة خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبالفعل قام هادي عمرو، الممثل الأميركي الخاص للشؤون الفلسطينية، بزيارة رام الله للقاء رئيس الوزراء محمد اشتية، الذي شدد على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وكذلك الضغوط المالية المستمرة التي تواجهها السلطة الفلسطينية بسبب عائدات الضرائب المحتجزة.
وقد لعب مسؤولون كبار آخرون في وزارة الخارجية، مثل النائب الرئيسي لمساعد وزير الخارجية هنري ووستر، وكبيرة الدبلوماسيين في الشرق الأوسط باربرا ليف، والمستشار ديريك شوليت، والمنسق الأمني الأميركي اللفتنانت جنرال مايكل فينزل، ونائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية أندرو ميلر، أدوارا في التواصل مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين، وتحدثوا عن الحاجة إلى إصلاح داخلي في السلطة الفلسطينية، فضلا عن مخاطر عنف المستوطنين.
وتسعى ليف إلى التواصل مع الحلفاء العرب بشأن خطط إعادة الإعمار والإدارة في مرحلة ما بعد الحرب، والتطبيع بين إسرائيل والسعودية، ويساعدها في ذلك اثنان من كبار مستشاري هاريس، هما فيل غوردون وإيلان غولدنبرغ.