الثلاثاء 16 يناير 2024 21:45 م بتوقيت القدس
لم تكن عملية الطعن والدهس التي نفّذها فلسطينيان في مدينة رعنانا في منطقة تل أبيب أمس الاثنين، مفاجئة للكثيرين في إسرائيل، فمنذ بداية الحرب على قطاع غزة، صدرت تحذيرات عدة من قبل مسؤولين ومراقبين إسرائيليين، من احتمال إقدام أفراد ومقاومين من الضفة الغربية المحتلة على تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية داخل الخط الأخضر، وفي مناطق المستوطنات.
وشهدت الأروقة الإسرائيلية نقاشات عدة بشأن الضفة الغربية، لا سيما ما يتعلق بإدخال عمال فلسطينيين، بعضها كان حادا داخل الحكومة نفسها وفي المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، وكذلك داخل مجلس الحرب (كابينت الحرب)، وسط خلافات داخلية واضحة بين أقطاب الحكومة.
وانعكس ذلك أيضاً اليوم، من خلال تقارير وتحليلات الصحافيين والمعلّقين الإسرائيليين، من قبيل عاموس هرئيل في صحيفة “هآرتس”، الذي بدا أنه يميل للرأي القائل بإدخال العمال، فيما يرى بن درور يميني في “يديعوت أحرونوت” أن لا علاقة بين العمل والإقدام على تنفيذ عمليات ضد إسرائيل.
ويرى هرئيل، اليوم الثلاثاء، أنّ “الرياح في الضفة الغربية عاصفة، ولا حاجة بالضرورة إلى سلاح من أجل الدفع باتجاه خطة فردية لتنفيذ عمليات”، مضيفاً أنه “غالباً ما يتم اعتراض المحاولات داخل حدود الضفة، وتساهم في ذلك أيضاً عمليات الاعتقال المكثّفة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في بلدات الضفة ومخيمات اللاجئين”.
ويعتبر الكاتب أن عملية رعنانا ستشكّل “منصة واسعة للجدالات بشأن قضية إدخال عمال فلسطينيين للعمل داخل إسرائيل. ويعارض الشق اليميني في الائتلاف الحاكم ذلك بشدة، خشية وقوع عمليات، ولكن أيضاً بادّعاء أن هذا يندرج في إطار استخلاص العبر”، بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة حماس في 7 أكتوبر، والمزاعم الإسرائيلية بأن عمال غزة الذين عملوا داخل مناطق الغلاف، كانوا أيضاً يجمعون معلومات خدمت عملية “حماس”.
ويضيف الكاتب أنّ معظم الأشخاص من الضفة الغربية الذين شاركوا في عمليات في السنوات الأخيرة، “كانوا من المقيمين في إسرائيل بدون تصريح، وأكثر من ذلك، فإن معظم الجهات الأمنية الإسرائيلية تدّعي أنه على الرغم من الظروف الصعبة للحرب، يجب إعادة إدخال عمال من الضفة على الأقل، في إطار عملية تجريبية على نطاق المحدود. ويأتي ذلك في ظل التحذير من أن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية يزداد سوءاً، ويشكل خطراً على استقرار حكم السلطة الفلسطينية، يضاف إلى ذلك التقليصات التي تطاول رواتب عمال السلطة عقب تجميد أموال المقاصة من قبل إسرائيل، بضغوط من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش”.
ويذكر في هذا السياق أن “جهاز الأمن العام – الشاباك” وجيش الاحتلال الإسرائيلي، حذّرا في الآونة الأخيرة المستوى السياسي في إسرائيل من تبعات الأزمة الاقتصادية في الضفة.
وفي هذا السياق اعتبر هرئيل أن “السلطة الفلسطينية، على الرغم مما يحدث في قطاع غزة، لا تزال تحافظ على مستوى من التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتعتقل بين الفينة والأخرى نشطاء من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولكن في ظل الظروف الحالية، فإن هذه الأمور قد لا تصمد لفترة طويلة، وعندها سيحدث انفجار في الضفة سيجرّ معه أيضاً نشطاء مسلحين من حركة فتح وأجهزة الأمن الفلسطينية”.
“مفهوم قديم”
على الجهة الأخرى، يعتبر الصحافي والمعلّق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، أنه “من المريح للإسرائيليين الافتراض بأن جودة ومستوى الحياة والعمل سيمنعان الفلسطينيين من التعاطي مع الإرهاب”.
ويوضح أنه “لم تمضِ دقائق على علمنا بالهجوم القاتل الذي وقع في رعنانا أمس، حتى سمعنا على الفور الجوقة المعروفة، بأن الفلسطينيين في ضائقة. ليست لديهم تصاريح عمل. لأن العمل في إسرائيل، كما نعلم، هو أحد مصادر العيش الرئيسة في الضفة، تماماً كما كان في السنوات الأخيرة العمود الفقري للاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة”.
ويضيف يميني أن “الحكومة ناقشت في الآونة الأخيرة، تجديد تصاريح العمل لسكان الضفة الغربية، وأن مسؤولين أمنيين يضغطون من أجل ذلك، كما يدعم وزير الأمن (يوآف غالانت) هذا التوجه”.
ويتابع أن أحد التعليلات الأساسية لتأييد إدخال العمال، هو “الضائقة الاقتصادية التي تعزز احتمالات الإرهاب. وكما هو معروف من يعمل لديه ما يخسره”، لكن “هذا المفهوم بات قديماً”، كما “كان أيضاً المفهوم السائد بالنسبة لقطاع غزة”.
وتابع يميني أن الفلسطينيين اللذين نفّذا عملية رعنانا أمس، “كانا يعملان وبدون تراخيص، وربما كانا قد قررا مسبقاً وربما لا، الخروج معاً للقيام بعملية رعنانا، رغم أنه كان لديهم مصدر رزق”، مضيفاً أن “نحو 80% من سكان الضفة الغربية أعربوا عن تأييدهم لهجوم حماس في 7 أكتوبر، وعليه من الصعب الافتراض بأن عدة آلاف من العمال الذي يحصلون في الأيام العادية على تصاريح عمل، ينتمون إلى الـ20% المعارضين لحماس”.
ويضيف الكاتب في “يديعوت أحرونوت”، أن “المسألة هنا هي أن المفهوم القائل بأن جودة الحياة ومستوى المعيشة سيمنعان الإرهاب، وأن الفقر يقود إليه، هو ذات المفهوم الذي سيطر على قيادة المخابرات الإسرائيلية، وهو مفهوم مريح. إنه يبدو منطقياً ومعقولاً. النقطة المهمة هي أن أهم الهيئات في البلاد، مثل وزارة الخارجية، وشعبة المخابرات، والكنيست، وغيرها الكثير، لديها أقسام بحثية، عليها تقديم المعلومات المبنية على أسس. ولكن لا أحد يكلّف نفسه عناء التحقق. لذلك لم يتم تقديم أي معلومات جادة على الإطلاق”.
ويلفت الكاتب إلى أن سلسلة من الأبحاث التي سبق أن تناولها قبل عامين، وجدت أنه “لا علاقة بين الفقر والإرهاب”.
مع ذلك، يقول الكاتب إن “هذا لا يعني أنه يمكن تجاهل ضائقة الفلسطينيين، ومصادر الدخل مهمة”، ولكن “من أجل خفض مستوى الإرهاب، هناك حاجة للبدء بمكافحة التحريض في جهاز التربية والتعليم في السلطة الفلسطينية وأونروا”، على حد تعبيره.
ويتحدث عن أن “الدعم يصل إلى هذه المؤسسات بالأساس من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أوروبية، ولكن عندما يكون المفهوم السائد هو أن الفقر يؤدي إلى الإرهاب، يتم السماح لمئات آلاف الدولارات بالتدفق إلى مناطق السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، وجزء كبير من هذه الأموال”، حسب مزاعمه، ” يعزز التطرف الذي يؤدي إلى الإرهاب”.
وتحدث عدد من الوزراء، من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، عن أن عملية رعنانا عززت موقفهم الرافض لإدخال العمال الفلسطينيين.
وكتب وزير البناء والإسكان يتسحاق غولدكنوبف، عير منصة “إكس”، أن “هذه الحادثة تشير إلى الخطر في دخول العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل. واجبي الاهتمام بفرع البناء، ولكن ليس على حساب حياة مواطنينا”.
بدوره، كتب وزير العلوم والتكنولوجيا أوفير أكونيس: “كما قلت في مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ممنوع أن تسمح إسرائيل بدخول عمال من الضفة، ويجب استخلاص العبر جيداً من أحداث 7 أكتوبر. المفاهيم القديمة انهارت/ والآن هناك حاجة لخطوات فورية لاستقدام عمال أجانب”.