خلق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وكيان الاحتلال بالوساطة الأمريكية تجاذبات وسجالات سياسية بين رئيس حكومة الاحتلال الحالي يائير لابيد وبين الأسبق بنيامين نتنياهو. اذ إنّ ملف الترسيم الى جانب الاتفاق النووي بين إيران ودول الأطراف يشكّلان صلب الحملات الانتخابية لقطبي الاحتلال اليمين واليسار، ويسعى كلّ قطب لإثبات أن موقفه من الملفين هو الأفضل "لإسرائيل" و"جمهورها" و"مستقبلها"، على بُعد أقل من شهر من موعد انتخابات "الكنيست" الخامسة.
لابيد مقابل نتنياهو
احتدمت المنافسة بين لابيد ونتنياهو، وقد ظهر ذلك جليّاً في تصريحات كلّ منهما. انتقد الأخير المرحلة التي وصلت اليها الترسيم البحري وتسلّم لبنان مسودة النص المكتوب، زاعماً أن لابيد "قد استسلم لحسن نصر الله بشكل مخجل، مانحاً حزب الله اللبناني أرضاً ذات سيادة لدولة إسرائيل" وأن لابيد " لابيد قد منح حزب الله خزان غاز ضخم يخص المواطنين الإسرائيليين، وذلك دون مناقشة داخل البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، ودون استفتاء... أنه ليس لرئيس الوزراء الحالي، يائير لابيد، أي تفويض لتسليم أرض ذات سيادة لدولة معادية". وأعلن عدم قبوله بالاتفاقية وأنه في حال عودته للحكومة في تشرين الثاني / نوفمبر القادم سيرفض هذه الاتفاقية "لأنها تمس بالأمن القومي الإسرائيلي"
لم يمضِ وقت طويل قبل أن يصدر لابيد رداً على هذه التصريحات، فادعى أن "إسرائيل ستحصل على 100% من احتياجاتها للغاز المستخرج من حقل كاريش. نتنياهو أفهم أنه يؤلمك أنك فشلت لمدة 10 سنوات في محاولة تحقيق هذا الاتفاق، على الأقل لا تضر بمصالح إسرائيل الأمنية وتساعد حزب الله برسائل غير مسؤولة". وكان لابيد قد زعم أن "مسودة اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية مع لبنان ستحمي مصالح إسرائيل الأمنية والتجارية بشكل كامل".
في نفس سياق تصريحات لابيد، هاجم وزير الأمن الداخلي لدى الاحتلال، عومر بارليف، نتنياهو متهماً إياه بـ "إضرار أمن إسرائيل"، مضيفاً "ليس لدى نتنياهو فكرة عما يجري، الشيء الوحيد الذي لديه فكرة عنه هو السنوات التي كان فيها رئيسا للوزراء ولم يتحرك شيء بشأن هذه القضية"". ورأى بارليف أن الهدف من كلام نتنياهو هو "إرباك الجمهور وجعلهم يشعرون بعدم الأمان".
انقسامات في تحليل الاعلام العبري
ليست السجالات بين لابيد ونتنياهو وحدها التي كشفت عن الانقسامات في الكيان، بل انسحبت هذه الانقسامات الى تباين في تحليل الاعلام العبري لمواقف المستوى السياسي. فبعضها اعتبر أن إسرائيل اختارت التنازل لصالح لبنان على حساب إشعال حرب كبرى بالجبهة الشمالية"، والبعض الآخر اعتبر أن ما وصلت اليه الأمور يعدّ تنازلاً للحكومة، اذ أشار معلق الشؤون العربية في القناة 13 الإسرائيلية، تسفي يحزقلي أنّ "إسرائيل تصلّبت خلال المفاوضات مع لبنان إلى أن جاءت تهديدات نصر الله فتراجعت". ولفت إلى أنّه "عندما يصبح الغاز بيد لبنان فإنّ نصر الله سيعزز مكانته، فهو سيكون الرابح الأكبر من هذه القضية".
كذلك رأت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية أن "الموافقة الإسرائيلية على مطلب لبنان تعني تراجع كامل للحكومة عن موقفها"، وعلى حدّ زعم مصادرها الديبلوماسية فإن "إسرائيل وافقت بشكل كامل على مطلب لبنان بتحديد الحدود البحرية بين البلدين بالخط 23".
أمّا الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، اللواء عاموس يادلين، فاعتبر أن الاتفاق يشكل ترجمة لمعادلة "رابح – رابح"، فـ" حزب الله حصل على كل ما يريده في المفاوضات على الحدود البحرية. وحصل لبنان على الاعتراف بخط 23 وعلى إمكانية التنقيب في حقل قانا وعدم الاتفاق على النقطة البرية، إضافة إلى أن التنقيب عن الغاز واستخراجه ما يسمح له بتحسين وضعه الاقتصادي وربما أيضاً الخروج من حالة الإفلاس التي يعاني منها".
سنشهد خلال شهر تشرين الأول / أكتوبر الانقسامات الداخلية في مستويات الاحتلال كافة، وسيشكّل كل ملف، خارجي كان أم داخلي، مثل هذه السجالات التي لا توضح الا عمق مآزق الاحتلال في المنطقة.