مع استمرار التوتر الميداني على الأرض بين الفلسطينيين والاحتلال، تبدي أجهزته الأمنية قلقها مما تنقله وسائل الإعلام وشبكات التواصل من شعور المستوطنين بالقلق، وفقدان الأمن الشخصي، بزعم أن هذا ما تريده حماس، التي تبث تصريحات مرئية، بجانب تحركات هادئة خلف الكواليس، تحفز الدوافع الفردية لتنفيذ الهجمات المسلحة، وتحمل المخاطر المتوقعة، ما يدفع الضباط الإسرائيليين إلى الاعتقاد بأن حماس نجحت منذ فترة طويلة في بث رسائل في الرأي العام الفلسطيني تتماشى مع استراتيجيتها.
في الوقت ذاته، لا يخفي الإسرائيليون انزعاجهم من “شراء” جمهورهم لرسائل حماس بقوة أكبر بكثير من قدرتها الفعلية، على اعتبار أن الهجمات المسلحة الأخيرة التي وقعت في الشهرين الماضيين، مستوحاة من حماس، وتسببت في خسائر فادحة بين الإسرائيليين، وحظيت بردود إعلامية واسعة النطاق ومكثفة، ما خلق مشاعر القلق العام في أوساطهم.
يورام شوارتسر وديفيد سيمان-توف، الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ذكرا في ورقة بحثية مشتركة، أن “رسائل حماس التوعوية والدعائية حققت نجاحات لافتة في الأوساط الإسرائيلية، من خلال جملة مؤشرات، لعل أهمها تهديدها بنقل محور المواجهة من قطاع غزة إلى ساحات الضفة الغربية والقدس وحدود48، ما قد يلحق بإسرائيل أضرارًا جسيمة، لأن العمل العسكري الإسرائيلي المباشر سيكون حينها أقل وضوحًا، وبالتالي فإن حماس تنجح بإشعال الأوضاع في مختلف المناطق الفلسطينية، دون أن تطالب بدفع ثمن في غزة”.
وأضافا أن “مرور عام كامل على حرب غزة الأخيرة 2021، التي أسمتها حماس “سيف القدس”، حمل جملة دلالات دينية واضحة، تثبت أنها نجحت في غرس روايتها السردية لدى جمهورها المستهدف المتنوع، وتعزيز صورتها كمدافع عن الأماكن المقدسة في القدس، وترسيخ أنها تقف وراء سلسلة العمليات الأخيرة، بما فيها هبة المسجد الأقصى، وهجمات الضفة الغربية، وإطلاق صاروخ من لبنان، ما أظهر صورتها ومكانتها كمن يقود النضال الفلسطيني المباشر ضد إسرائيل، حتى باتت تتدخل في سياستها الداخلية بممارسة الضغط المباشر على رئيس الوزراء نفتالي بينيت”.
وأشارا إلى أن “سلوك حماس الإعلامي والدعائي الأخير يسعى لإظهارها كمن تحدد معادلة القوى في المنطقة، بالتهديد بإشعال حرب دينية إقليمية، والاستهزاء بإسرائيل، وتشبيهها ببيت العنكبوت، بما ينسجم مع استراتيجية الحركة في القيام بمعركة الوعي، لا سيما في الفضاء الرقمي، المستندة بالأساس إلى تحريض وتهييج، وترسيخ صورة التنظيم القائد للمقاومة المسلحة ضد إسرائيل، مقابل صورة السلطة الفلسطينية كمتراخية وفاسدة ومتعاونة مع إسرائيل، التي تسقط في الحفرة التي أعدتها لها حماس”.
وفي الوقت الذي يبدي فيه الإسرائيليون تفهمهم لصدور مشاعر القلق وفقدان الأمن الشخصي عقب وقوع الهجمات الفلسطينية الأخيرة، فإنهم في الوقت ذاته يعتبرون أن تعميم هذه الصور عبر وسائل الإعلام المؤسسية والشبكات الاجتماعية في إسرائيل بدوافع حزبية وشعبوية يخدم الفلسطينيين، ويظهر الإعلام الإسرائيلي كأنه يعمل لصالحهم، دون أن يقصد، من خلال تعميم رسائل حماس دون سيطرة وفهم عميقين، وفي النهاية يشكل قوة مضاعفة للحركة التي تستغل الإعلام الإسرائيلي لدفع رسائلها، وتكثيفها، بجانب العمل في البعد الدفاعي التحريضي والدعائي.
الاستنتاج الإسرائيلي من هذا الإخفاق الدعائي أمام حماس دفع بالحاجة إلى حملة مشتركة، هجومية ودفاعية، تتزامن بين الجهود المختلفة، وتعطيل أفعال وعي الخصم بشكل مستمر وواسع، من خلال الاستعانة بدوائر الاعلام والدعاية لدى جميع القوات الاسرائيلية: الجيش، جهاز الأمن العام- الشاباك، وزارة الخارجية، خاصة أن الفلسطينيين يتمتعون بالدعم والتماهي في الإعلام الدولي كونهم الجانب الأقل قوة أمام اسرائيل.
في الوقت ذاته، تستنفر المؤسسة الإسرائيلية إمكانياتها الإعلامية والدعائية في البعد الرقمي لمواجهة ما تعتبرها نجاحات فلسطينية في هذا المجال، فضلا عن تسخير المؤثرين في إسرائيل وحول العالم على شبكات التواصل لتسويق دعايتها وترويج روايتها التي تواجه صعوبات متنامية في القبول والمصداقية.