في الوقت الذي يبدي فيه الاحتلال انزعاجا من تطورات احتجاجات الفلسطينيين في المسجد الأقصى، وما سببته من تبعات ونتائج خارج حدود الوطن، فإن الرصد الإسرائيلي يتابع بدقة ما تشهده شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي من مناهضة للاحتلال، عربيا وإسلاميا؛ لأنها تريد تغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى، الأمر الذي يكشف أن الأنظمة العربية، لا تستطيع تجاهل مشاعر الجماهير الغاضبة، وهو ما يجب أن تقلق منه تل أبيب.
مع العلم أن هذه الأحداث المتصاعدة كشفت للإسرائيليين، خاصة العلمانيين منهم، أنهم لا يفهمون عمق معنى المسجد الأقصى بالنسبة للعالم الإسلامي، وما هي القوة الهائلة للانفجار المتجسد في فوهة غبار النار المعروفة باسم المسجد الأقصى، رغم أننا أمام مكان لا تزيد مساحته عن 135 ألف متر مربع فقط، لكنه يمس المشاعر الدينية لكل مسلم أينما كان، ويمكنه دفعهم للنزول إلى الشوارع من نواكشوط في موريتانيا إلى جاكرتا في إندونيسيا.
ألون بن ديفيد الخبير العسكري، ذكر في مقاله بصحيفة “معاريف”، أن “أحداث الأقصى 2022 تعيدنا إلى أحداث آب/ أغسطس 1969، حين دخل يهودي أسترالي إلى المسجد الأقصى، وحاول إضرام النار فيه، وأتى الحريق على منبر صلاح الدين المقام منذ 900 عاما، وحينها عمّ الغضب كل أرجاء العالم العربي، وحتى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أصدر إدانة، وعلى إثرها تم إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي خصيصا للدفاع عن القدس والأقصى”.
وأضاف أنه “في هذا السياق، يحتاج الإسرائيليون اليوم لرؤية ما يحدث من تبعات لأحداث الأقصى من خلال مستقبل شراكاتهم الجديدة في المنطقة، فالأردن على سبيل المثال لا يقتصر موقفه المعارض للسياسة الإسرائيلية في الأقصى على الجمهور الأردني فقط، بل يصل إلى البلاط الملكي، رغم تفهم الملك عبد الله جيدا لاعتماده الاستراتيجي المطلق على إسرائيل، ولعل الكشف عن عمق التعاون الأمني بينهما سيصيب معظم الإسرائيليين بالدهشة من الموقف الأردني”.
توقفت الأوساط الإسرائيلية عند أحد أسباب اتخاذ الأردن لموقف علني ضد السياسة الإسرائيلية في الأقصى، خشية من تزايد شعبية الإخوان المسلمين ممن ساهموا بتحريض الأردنيين على رفض تلك السياسة. أما في البحرين، فقد أعربوا لإسرائيل أنهم لا يمكنهم البقاء صامتين، بسبب ما يعيشه الجمهور الخليجي من غضب عارم. حتى تركيا التي وقفت حتى وقت قريب رأس حربة العالم السني ضد إسرائيل، حافظت في الوقت نفسه على خطاب معتدل.
تبدي المحافل الإسرائيلية قلقها من تفاقم المواقف الإقليمية من تفاقم انتهاكاتها في المسجد الأقصى، وتوصي دوائر صنع القرار بأن إجراء أي تغيير في الوضع الراهن داخل المسجد، يتطلب تنسيقا وثيقا مع جميع الموجودين في المنطقة، والتأكيد أن هذه التغييرات لا يجب أن تكون مدخلا لاستفزازات الدول المحيطة؛ لأن المسجد الأقصى بات يمثل للاحتلال تحديا هو الأكثر تعقيدا أمامه، وأي عبث به كفيل بإشعال الحريق، وهو ما يهرب منه الإسرائيليون هروب الفريسة من الذئب!