في خطوة لا يمكن فصلها عن أزمة السيولة ونقص العملة الصعبة في مصر، بحسب مراقبين وخبراء اقتصاد، فقد أعلنت إحدى الشركات التابعة لشركة الاتصالات السعودية (إس تي سي STC) شراء شركة جيزة للأنظمة (شركة مساهمة مصرية) بقيمة 158 مليون دولار (نحو 2.9 مليار جنيه).
وأعلنت الشركة العربية لخدمات الإنترنت والاتصالات (Solutions) المزود الأول لحلول تقنية المعلومات في السعودية عن توقيعها عرضا ملزما للاستحواذ على نسبة 89.49% من شركة جيزة للأنظمة (شركة مساهمة مصرية) والاستحواذ على الحصة غير المملوكة لشركة جيزة للأنظمة في شركة جيزة العربية للأنظمة المحدودة والتي تمثل نسبة 34%.
على مدار الـ 48 عامًا الماضية، تطورت “جيزة سيستمز” لتصبح قوة إقليمية في تمكين التحول الرقمي وتكامل الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، من خلال تقديم الخبرات الاستثنائية في مشاريعها في مختلف الصناعات، يقوم أكثر من 1400 متخصص في “جيزة سيستمز” بتنفيذ مشاريع تكنولوجية متطورة هدفها إضافة قيمة لعملائها بتحويل أعمالهم، بحسب بيان الشركة على موقع “فيسبوك”.
تأتي هذه الصفقة بعد أيام من توقيع صندوق مصر السيادي اتفاقية مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، لضخ استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار بالتعاون بين الصندوقين في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والزراعة والقطاعات المالية.
“سباق محموم”
بحسب خبراء اقتصاد ومحللين أدلوا بتصريحات صحفية فإن نقص العملة الأجنبية دفع البنك المركزي إلى خفض قيمة الجنيه 14 بالمئة في 21 آذار/ مارس، ورفع الفائدة 100 نقطة أساس، ما فتح الباب أمام أكبر مشترين خليجيين؛ السعودية والإمارات للتنافس على الشركات المصرية في ظل تراجع الأسعار.
وكانت الإمارات قد اتخذت خطوات أوسع تجاه الاستحواذ على عدد شركات أكبر نهاية الشهر الماضي، إذ قالت وكالة “بلومبيرغ”، إن صندوق أبوظبي السيادي أجرى محادثات مع مصر لشراء حصص مملوكة للدولة المصرية في بعض الشركات، وعلى رأسها البنك التجاري الدولي، بقيمة ملياري دولار.
وتتضمن الاتفاقية شراء حصص في أربع شركات أخرى مدرجة بسوق الأوراق المالية المصري، وعلى رأسها شركة “فوري” للخدمات المصرفية وتكنولوجيا الدفع.
“القِرش صياد”
في سياق تعليقه، يقول الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، إن “السوق مفتوح أمام الجميع للشراء والبيع والاستحواذ في إطار سياسة السوق الحر التي لا يمكن بموجب قوانينها أن تمنع مثل تلك العمليات ما دامت تتوافق مع قوانين البلاد، وهناك مثل يقول (القرش أو الدرهم صياد)، والفرص الاستثمارية تظهر في البلاد التي تتعرض لأزمات اقتصادية”.
ورأى في تصريحات صحفية أن “الأذرع الاستثمارية للشركات الأجنبية أو العربية تنتهز فرصة نقص السيولة في البلاد وتشتري أو تستحوذ على الشركات الرابحة في السوق، ومن المفترض أن أي عملية استحواذ أو بيع تأتي باستثمارات جديدة”.
وأشار الولي إلى أن “البيانات المتعلقة باستمرار تراجع صافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي يؤشر بشكل واضح على وجود أزمة عميقة في توفير سيولة بالعملة الصعبة، لذلك جاء قرار الحكومة قبل شهر ببيع حصص لها في العديد من الشركات الكبيرة سواء في القطاع الخاص أو قطاع الأعمال لتوفير سيولة”، مؤكدا أن “عمليات البيع تلك لم تكن لتقدم عليها الحكومة بهذا الشكل لولا ما تواجهه من أزمات في توفير الدولار”.
“ضربات للاقتصاد المصري”
في غضون ذلك، انخفض صافي الأصول الأجنبية المصرية بشكل حاد بمقدار 60 مليار جنيه مصري (3.29 مليار دولار) إلى سالب 50.3 مليار جنيه، خلال شهر شباط/ فبراير 2022، وهو الانخفاض الخامس على التوالي، بحسب البنك المركزي المصري.
وأشارت بيانات حكومية إلى ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنهاية العام الماضي إلى 145.529 مليار دولار، مقابل 129.196 مليار بنهاية العام السابق، بزيادة 16.333 مليار دولار خلال عام 2021، بنسبة نمو 12.6%، غير شاملة الودائع والقروض الجديدة.
وفي خطوة تهدف لانتشال الاقتصاد المصري من أزمة نقص الدولار الحادة، أودعت السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، ونقل موقع “بلومبيرغ الشرق” عن مصدر سعودي مطلع قوله إن “مدة الوديعة هي عام كامل قابل للتمديد بالاتفاق بين الطرفين”.
“استثمارات أم استحواذات”
اعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعات المصرية الدكتور عبد النبي عبد المطلب، أن “عمليات البيع التي تتم للشركات في مصر تندرج تحت مسمى قطاع الخصخصة، ويبقى السؤال لماذا الآن، ولماذا السعودية والإمارات الأكثر انجذابا لهذا النوع من الاستثمارات، من الواضح أن مصر في طريقها إلى توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، والحكومة تحاول أخذ خطوات استباقية تمهد لتسهيل المباحثات مع صندوق النقد”.
وأكد في حديث صحفي أن “ما يجري ليس بمعزل أبدا عن نصائح وتوجيهات صندوق النقد الدولي ومن خلال عدد من المسؤولين في الجهات الاقتصادية المعنية، تأتي ضمن إجراءات أخرى اتخذتها الحكومة مؤخرا مثل خفض قيمة الجنيه ورفع أسعار الفائدة”.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن “إيجابية الاستحواذ الخليجي على أصول الحكومة أو الشركات الخاصة أو سلبيته تتوقف على نوايا المستحوذ، فإذا كانت الرغبة هي توسيع نشاط الشركة وضخ المزيد من الأموال فيها فهذا أمر إيجابي، أما إذا كان الأمر مجرد تغيير أسماء الملاك والحصول على الأرباح المعلومة فهذا أمر سلبي بكل تأكيد؛ لأن العملية لم تفد الاقتصاد المصري وكانت بمثابة حل مؤقت للأزمة”.
وتوقع عبد النبي أن تمضي الحكومة قدما “في بيع حصص لها في العديد من الشركات استجابة لتوصيات أو تعليمات صندوق النقد الدولي منذ عام 2016، إلى جانب استمرار استحواذ المشترين الخليجيين على قطاعات المال والبنوك وتكنولوجيا المعلومات”.