تواصل الأوساط السياسية والدبلوماسية في تل أبيب تحضيراتها بشأن زيارة الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ إلى أنقرة، وسط تقديرات بتحقيق مطالب إسرائيلية من تركيا قبيل تسوية العلاقات.
وتسود القناعة السائدة اليوم في تل أبيب أن أنقرة تحاول الآن إصلاح علاقاتها مع دول في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تل أبيب، وقد تزامن ذلك مع إشارات إيجابية تمثلت بإطلاق سراح زوجين إسرائيليين اعتقلا عقب تصوير منزل الرئيس أردوغان، فيما اتصل هرتسوغ وبينيت، كل على حدة، بأردوغان للتعبير عن تقديرهما لهذه الإشارات الإيجابية.
البروفيسور إفرايم عنبار رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JCSS)، وضع في مقاله بموقع نيوز ون، ما قال إنها “جملة مطالب إسرائيلية من تركيا قبيل إتمام زيارة هرتسوغ، أولها معاملته باحترام مع انتشار تسريبات مفادها أن أردوغان لا يخطط للقائه في القصر الرئاسي، ولكن في مكان أقل رسمية، وهذه ستكون علامة على عدم الاحترام إذا حدث ذلك فعلا، وثانيها رؤية سياسة تركية “أكثر توازناً” في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، بالامتناع عن معارضة اتفاقات التطبيع، وعدم التعاون مع حماس، وإخراج قيادتها من أراضيها”.
وأضاف أن “المطلب الثالث يتمثل بإلغاء مذكرة التفاهم بين تركيا والحكومة الليبية بشأن اتفاقية طرابلس في 2019، لأنها تحدد حدود المناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين في البحر المتوسط، ورسمت خطاً فاصلاً بين الأجزاء الشرقية والغربية من البحر، مما يهدد الأمن البحري، والتنقيب عن الغاز الطبيعي، والبنية التحتية الجديدة، مثل خط أنابيب الغاز، أو كابل الكهرباء من إسرائيل أو مصر إلى وجهة أوروبية”.
وأشار إلى أن “المطلب الرابع يتمثل بأن تسعى إسرائيل جاهدة للتوصل إلى تفاهم يضع قيودًا واضحة على نشاط تركيا في القدس المحتلة، بزعم أنه ينتهك السيادة الإسرائيلية فيها، وخامسها التأكد أن استئناف العلاقات الثنائية الأفضل بين تركيا وإسرائيل سيؤدي إلى إنهاء تعطيل العلاقات بين الأخيرة وحلف الناتو”.
من الواضح أن هذه المطالب أو يمكن تسميتها “الشروط” الإسرائيلية التي يتم التباحث بشأنها وراء الكواليس بين أنقرة وتل أبيب خلال الأسابيع الماضية، ليس بالضرورة أن تجد استجابة تركية كاملة، وإن كان هناك توجه بترميم العلاقات مع تل أبيب، لكن ليس بأي ثمن، على اعتبار أن بعض هذه المطالب إنما تمس بالأمن القومي التركي.
صحيح أن الآونة الأخيرة شهدت اتصالات هاتفية مكثفة بين وزرائهما، وتحافظان على تجارة شاملة ثنائية، لكن أردوغان لم يتوقف عن انتقاد إسرائيل بشدة في القضية الفلسطينية، وتواصل بلاده استضافة قادة حماس.
في الوقت ذاته، يأتي الغاز الإسرائيلي على رأس الأجندة التركية في محاولة للاقتراب من بعضهما، حيث تعتمد تركيا على واردات الطاقة من روسيا وإيران، وتهتم بتنويع مصادر الطاقة لديها، لذلك تريد الوصول إلى احتياطيات إسرائيل من الغاز للاستخدام المحلي، والتصدير لأوروبا، مما سيعزز مكانتها كجسر للطاقة للقارة، كما أن الغاز الإسرائيلي قد يدر عائدات لاقتصادها المتعثر، مع أن خط الأنابيب من إسرائيل إلى تركيا عبر قبرص قد يبدو الحل الأمثل اقتصاديًا، رغم أن موافقة قبرص مطلوبة.
على الصعيد الأمريكي، تدرك تل أبيب جيدا أن أنقرة تواجه سلوكا غير ودي من إدارة بايدن، ويمكن للعلاقات معها أن تفيد أنقرة على الساحة الأمريكية.
عند الحديث عن التأثيرات الإقليمية المحيطة بتركيا، تعتبر تل أبيب أنه عندما تحاول تركيا موازنة عضويتها في الناتو مع جهودها للابتعاد عن الغرب، فإن الدافع الواضح لتحسين العلاقات مع إسرائيل هو محاولة تفكيك، أو إضعاف الشراكة الاستراتيجية مع اليونان وقبرص، مع العلم أنه نتيجة للعداء التركي، فقد تم تعزيز التعاون الأمني بين مكونات هذا المثلث بشكل كبير.
في هذه الحالة، لا يبدو أن إسرائيل سترحب بجهود تركيا لإضعاف هذا المثلث، خاصة عقب انضمام مصر والإمارات، وهما تنتهجان سياسات مماثلة في شرق المتوسط بشأن قضايا الطاقة والمناطق الاقتصادية وليبيا، مما أثار استياء تركيا، مع أن توثيق العلاقات بين الإمارات وتركيا يشكل مساهمة إضافية بتحركاتها تجاه إسرائيل، حيث تريد الإمارات من تركيا أن تمتنع عن انتقادها الصاخب لاتفاقات التطبيع بين الخليج وإسرائيل، وتريد تركيا زيادة تواجدها في القدس لتقوية قيادتها في العالم الإسلامي.