السبت 05 فبراير 2022 08:15 م بتوقيت القدس
تحتضن العاصمة الإثيوبية أديس بابا غدًا السبت القمة الأفريقية الـ 35، وسيكون على طاولة النقاش عدة ملفات، أهمها النظر في قرار منح دولة الاحتلال الإسرائيلي صفة مراقب بالاتحاد الأفريقي، الموضوع الذي أحدث انقسامًا كبيرًا في القارة السمراء، في ظل وجود ملفات أخرى عالقة مثل الانقلابات العسكرية المتكررة والأزمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة كوورنا.
أبرز المعارضين
تُعتبر الجزائر أكبر الرافضين لفكرة منح كيان الاحتلال صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، وقد نجحت مساعيها في إدراج ملف عضوية إسرائيل في الاتحاد القارّي على رأس لائحة الملفات التي ستُناقَش في قمة الرؤساء الأفارقة.
تعمل الجزائر بالتنسيق مع عدة دول أفريقية لتحقيق هدف سحب صفة مراقب، التي كانت حصلت عليها إسرائيل بقرار إداري منفرد اتّخذه مسؤول في الاتحاد الأفريقي، وأبرز الدول المساندة للجزائر في هذا التمشي هي جنوب أفريقيا، إلى جانب كل من تونس ومصر وجزر القمر وجيبوتي وموريتانيا فضلًا عن ليبيا.
وسبق أن قدّمت سفارات هذه الدول العربية السبعة في أثيوبيا (أعضاء في الاتحاد الأفريقي)، في 3 أغسطس/ آب الماضي، مذكرة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، أكّدت فيها اعتراضها على قراره قبول “إسرائيل” عضوًا مراقبًا في الاتحاد.
طالبت هذه الدول العربية بإدراج القرار للمناقشة، لكون الطلب الإسرائيلي لم يتمَّ النظر فيه وفق نظام الاتحاد، ولم يُطرَح لأي نقاش أو تشاور بين أعضاء منظمة الاتحاد الأفريقي، وهو “ما يمثل تجاوزًا إجرائيًّا وسياسيًّا غير مقبول من جانب رئيس المفوضية لسلطته التقديرية”.
يُذكر أنه في 22 يوليو/ تموز الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية بشكل مفاجئ أن سفيرها لدى إثيوبيا، أدماسو إلالي، قدّمَ أوراق اعتماده عضوًا مراقبًا لدى الاتحاد الأفريقي، وعلى مدار سنوات بذلت “إسرائيل” مساعي مكثَّفة لإقامة علاقات مع عدة دول أفريقية.
إلى جانب هذه الدول الثمانية السابق ذكرها، يوجد 17 دولة أفريقية أخرى ترفض منح الكيان الإسرائيلي عضوية الاتحاد الأفريقي، وطالبت هذه الدول من بينها السودان ونيجيريا والسنغال والنيجر والغابون وزيمبابوي ومالي وسيشيل وليبيريا وإريتريا وتنزانيا، رئيسَ المفوضية بسحب قرار منح “إسرائيل” عضوية مراقب من مفوضية الاتحاد الأفريقي.
سبق للكيان الإسرائيلي أن حصل في السابق على صفة مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية، لكن بعد حلّ منظمة الوحدة عام 2002 واستبدالها بالاتحاد الأفريقي تمَّ إحباط محاولاته لاستعادة هذه الصفة، وجُوبه طلب “إسرائيل” الانضمام إلى المنظمة بالرفض 3 مرات، وذلك خلال الأعوام 2013 و2015 و2016.
مصالح مشتركة
صحيح أن قرار قبول إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي هو قرار منفرد قامت به مفوضية الاتحاد الأفريقي، إلا أنه يعكسُ مدى الاختراقات التي حقّقها الكيان الإسرائيلي في السنوات الأخيرة على صعيد استمالة عدد ليس قليلًا من دول الاتحاد الأفريقي، إذ تُعتبر تشاد وتوغو وأوغندا من أبرز الداعمين لإسرائيل في القارة الأفريقية، كما تمتلك تمثيلًا دبلوماسيًّا في 46 دولة في القارة، أي بنسبة 80% تقريبًا، وهي نسبة مرتفعة إلى حدٍّ كبير، في حين أن 15 دولة أفريقية لديها سفارات دائمة في “إسرائيل”.
نجحَ الإسرائيليون في إذابة جبال من الجليد بتطبيع علاقاتها مع بعض الدول العربية ظلت على عداء تاريخي معها منذ تأسيسها -على غرار مصر والمغرب-، خاصة أنهم قد أدركوا مسبقًا أن غيابهم عن مجريات الحدث الدبلوماسي والسياسي في القارة الأفريقية، قد يصبُّ في صالح القضية الفلسطينية داخل المحافل الدولية والإقليمية.
نتيجة تخلّي العرب عن الفلسطينيين، لم تَعُد الأنظمة الأفريقية تجدُ حرجًا في التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فالسبب الذي كان حائلًا بين بعض القادة الأفارقة والهرولة نحو “إسرائيل” والتطبيع معها لم يعد موجودًا، ما دام العرب -أصحاب القضية- قد تنكّروا له.
ترتبط “إسرائيل” بمصالح مشتركة مع عدة دول أفريقية، ففضلًا عن التمكين وفكّ العزلة الدولية يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى منافسة الدول النافذة في القارة، للاستحواذ على قطعة أكبر من الاقتصاد في قارة معروفة باحتوائها على أكبر مخزون للثروات الطبيعية من معادن ونفط ومنتجات زراعية وغيرها، قُدِّرت بما يعادل 30% من الموارد الطبيعية في العالم.
كما يوجد لإسرائيل مآرب أخرى في القارة الأفريقية، وهي لا تغفل عن بيع الأسلحة الهجومية والدفاعية التي تنتجها مصانعها الحربية وترفد بعائداتها ميزانيتها، كواحدة من أكبر مصدِّري السلاح إلى أفريقيا، الأمر الذي يقوّي حظوظ بعض الأنظمة في البقاء في السلطة أكثر.
أفلحَ الإسرائيليون طوال السنوات الماضية في التسويق لكيانهم على أن لديهم خبرات أمنية متطورة في مكافحة الإرهاب، وأنهم أنتجوا وسائل تكنولوجية متطورة للمراقبة والتنصُّت والجوسسة، إذ يقدم الكيان الإسرائيلي نفسه على أنه الخبير الأول في مجال الاستخبارات والتدريب العسكري.
وبناءً على ذلك، استغلَّ كيان الاحتلال الإسرائيلي حاجة العديد من القادة الأفارقة إلى التنصُّت والتجسُّس على معارضيهم والحصول على الوسائل التقنية الكفيلة بتحقيق ذلك الغرض، فهي تقدِّم للأنظمة برامج وتكنولوجيا التجسُّس، كما تقدِّم لهم الدعم اللوجستي الأمني من خلال توفير المعلومات الأمنية التي تُجمَع بواسطة الاستخبارات الإسرائيلية.
إلى جانب ذلك أنشأت إسرائيل شركات مرتزقة، من أبرزها شركة “ليف دان” وشركة “الشبح الفضي” وشركة “بنيتل إنترناشيونال سكيوريتي”، تتولّى تدريب وتسليح مليشيات قَبَلية لحماية الرؤساء والشخصيات السياسية المهمة، ما جعل أمن العديد من الدول الأفريقية مرتهنًا لهذه الشركات الأمنية.
هل سيتسبّب التصويت في شرخٍ داخل الاتحاد؟
طرح مسألة عضوية الكيان الإسرائيلي في الاتحاد الأفريقي للمرة الرابعة، من شأنه أن يُحدِثَ شرخًا كبيرًا داخل أروقة الاتحاد القارّي، في ظلّ الانقسام الحاد بين دول القارة في خصوص هذه المسألة بين مرحِّب ومتحفِّظ ورافض بشدّة.
وترتبط عدة دول أفريقية بعلاقات دبلوماسية متقدِّمة مع كيان الاحتلال، إلا أنها تعارض خطوة انضمامه إلى الاتحاد القارّي من منطلق رفضها لتواصُل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والذي يسيء إلى نصّ وروح ميثاق الاتحاد الأفريقي، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بتقرير المصير وإنهاء الاستعمار.
وعادة ما يفضِّل الاتحاد الأفريقي اتخاذ القرار بالإجماع، لكن قبول إسرائيل كمراقب سيثير انقسامًا كبيرًا بحيث لا يمكن التوصُّل إلى إجماع، وبالتالي سيتمّ تحديده بالتصويت، حيث يوجد أكثر من 25 دولة من أصل 55 دولة في الاتحاد الأفريقي متحالفة مع الجزائر وجنوب أفريقيا في الضغط من أجل رفض قرار فقي.
تمنح صفة “المراقب” بعض الفوائد الملموسة، من بينها حضور الجلسات المفتوحة لمجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والجلسات الافتتاحية والختامية لقمم الاتحاد الأفريقي، إلى جانب الوصول إلى بعض وثائق الاتحاد الأفريقي، ويمكن أن يُدعى المراقب من قبل رئيس المفوضية للمشاركة في الاجتماعات والإدلاء ببيانات، ولكن لا يمكنه التصويت.
ومن المستبعَد أن تدخل الدول الداعمة لانضمام “إسرائيل” في صراع مع الدول الرافضة، ومن الصعب أن تكون لها الشجاعة السياسية لإعلان دعمها “إسرائيل” علانية في هذا الخصوص، خاصة أن أغلب الدول الكبرى ترفض هذا الأمر كما أن الشارع الأفريقي يُعرَف بدعمه للقضية الفلسطينية.