تناول مقال نشرته مجلة “ناشونال إنترست” (The National Interest) لأكاديمي وباحث أميركي، احتمالات ألا تبقى الولايات المتحدة دولة موحدة، وأنها قد تنقسم إلى عدة دول.
واستهل مارك كاتز أستاذ الحكم والسياسة في جامعة جورج ميسون والزميل غير المقيم في “المجلس الأطلسي” (Atlantic Council) في واشنطن، مقاله بالحديث عن أن الدول تفقد أحيانا سيطرتها على مساحة كبيرة من أراضيها قبل أن تسترد جلها أو حتى كلها.
وأضاف أنه بعد سنوات من الخلافات السياسية بين الولايات الأميركية الشمالية والجنوبية حول الرق وقضايا أخرى، انفصلت معظم الولايات الجنوبية عن الاتحاد الأميركي عقب انتخاب أبراهام لينكولن رئيسا للبلاد في 1860. وإثر حرب أهلية ضروس، هُزمت قوات الكونفدرالية واستعيد الاتحاد في 1865.
وضرب أمثلة بالدول التي شهدت نزاعات في الماضي، مما أدى إلى انهيارها قبل أن تستعيد وحدتها مجددا، مشيرا إلى أن الثورة الصينية التي أطاحت بأسرة مانتشو في أوائل القرن العشرين، انتهت إلى تفتيت الصين إلى عدة أقاليم يديرها أمراء الحرب. غير أن الأمور عادت إلى نصابها مع ظهور الحزب القومي الصيني المعروف باسم “الكومينتانغ” إلى حيز الوجود في عشرينيات القرن الماضي.
كما حدث أن انهارت الإمبراطورية الروسية في أعقاب زوال حكم القيصر نيقولا الثاني، إلا أن البلاشفة -تحت إمرة فلاديمير لينين وقائد الجيش الأحمر ليون تروتسكي- تمكنوا من إعادة إدماج معظم المناطق في الدولة الروسية.
وتعرّضت وحدة الصين ووجودها كدولة إلى الخطر بعد غزو اليابان لإقليم منشوريا وبقية أرجاء الصين في 1937، إلا أن البلاد (عدا جزيرة تايوان) استعادت وحدتها بعد هزيمة اليابان في 1945 وبروز الحركة المايوية الشيوعية في 1949.
وفي عام 1941، هددت ألمانيا النازية بالقضاء على الاتحاد السوفياتي كاملا، لكن موسكو استطاعت طرد القوات الألمانية وكسب أراضٍ ومد نطاق نفوذها. وبعد قرابة نصف قرن تقريبا، انهار الاتحاد السوفياتي وحلت محله 15 دولة مستقلة. وقد استرد رئيس روسيا الحالي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، كما يعمل على استعادة النفوذ الروسي في أجزاء من تلك الدولة، “إن لم يكن كامل السيطرة عليها”.
انفراط العقد
إن استرداد الدولة لأراضيها قد ينعش حظوظها لكي تصبح قوة عظمى، كما أظهرت ذلك كل من روسيا والصين. وعموما، فإن الحكومات تحبذ فكرة انهيار القوى العظمى الأخرى المنافسة لها، مما قد يفضي إما إلى حكومة أكثر تجانسا أو تفكك إلى عدة دول.
ولقد كان هناك أمل بعد انتهاء الحرب الباردة في أن تتحول روسيا والصين إلى دول ديمقراطية تتعاون مع الغرب أو حتى تنضم إليه، وقد تبين في وقت لاحق أن ذلك كان محض أمنيات.
ويعود مارك كاتز بعد تلك المقدمة التي بنى عليها رؤيته لموضوع مقاله، فيزعم أن البعض في روسيا والصين يحدوهم أمل في أن يحدث نوع من الانشقاق أو الانهيار في الولايات المتحدة. ويستشهد على ذلك بأستاذ جامعي روسي يدعى إيغور بانارين، كان قد تنبأ بانفراط عقد الولايات المتحدة إلى 6 أجزاء بحلول عام 2010، بل نشر خارطة تبين ما ذهب إليه.
ويعتقد كاتز أن توقعات الأستاذ الروسي لا تعدو أن تكون ضربا من التمني، مضيفا أن العديد من الباحثين الصينيين على ثقة تامة اليوم بأن أميركا آخذة في الانحدار بسبب الخلافات الداخلية التي تعتريها.
ويتساءل كاتب المقال: كيف سيحدث هذا؟ ويجيب بالقول إن منطق الأحداث عادة ما يشي بأن الولايات المتحدة في طور تحول ديمغرافي من أغلبية بيضاء إلى أغلبية غير بيضاء، قد يحدث في مرحلة ما خلال العقد الرابع من القرن الحالي.
البيض لن يستسلموا
غير أن الأميركيين البيض -ولا سيما المحافظين منهم- لن يستسلموا طواعية لبروز أغلبية غير بيضاء في الولايات المتحدة، بحسب تعبير مارك كاتز الذي يرى أن البيض سيعملون على الحفاظ على نفوذهم بالقوة، “وفي أفضل الأحوال (من وجهة نظر الروس والصينيين) فإن الولايات المتحدة ستتفكك في واقع الأمر”.
وباعتقاد الأكاديمي الأميركي في مقاله بمجلة ناشونال إنترست، أن من شأن ذلك أن يمنح روسيا والصين الفرصة للانحياز لدولة أو أكثر من الدول التي ستولد من رحم انهيار الولايات المتحدة.
لكن، حتى لو بقيت الولايات المتحدة دولة موحدة -يضيف الكاتب- فإن الأمر يتطلب جهدا جهيدا من جانب البيض المتناقصة أعدادهم للاحتفاظ بالسيطرة على السكان غير البيض المتزايدة أعدادهم، وهو ما سيجعل الولايات المتحدة أقل رغبة في إرسال قوات إلى الخارج، مما سيصب في مصلحة روسيا والصين وأعداء واشنطن الآخرين. وفي هذه الحالة، فإن أميركا بتلك الوضعية لن يضايقها بكل تأكيد افتقار روسيا والصين للديمقراطية.
وإذا كان مستقبل الولايات المتحدة سلبيا كما يأملون، فإن روسيا والصين -وغيرهما- ستنظر يقينا إلى ذلك بوصفه فرصة للدفع بطموحاتها كقوى عظمى إلى الأمام.
وحتى لو تعاظم الشقاق داخل الولايات المتحدة، فإن التجارب التي مرّت بروسيا والصين تشي بأن الانحدار قد يعقبه نهوض من جديد، على حد تعبير مارك كاتز في خاتمة مقاله.