كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، عن قيام المؤسسة الإسرائيلية بتسليح جيوش نظامية يستخدم قادتها الأطفال في معارك حربية دامية، ومنهم قادة ديكتاتوريون في أوغندا.
وأكدت وكالة “رويترز” للأنباء، أن برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، استخدم لاختراق هواتف تسعة دبلوماسيين أمريكيين، يعملون في الشؤون المتعلقة بأوغندا.
ورغم أن تقرير الوكالة لم يذكر من اشترى من الشركة برنامج التجسس، إلا أن صحيفة “هآرتس”، وفي تقرير أعده إيتي ماك، لفتت إلى أن “السهام موجهة نحو الطاغية الأوغندي يوري موسيفيني”، وأضافت أن “من المشكوك فيه، أن يكون هناك الكثير من القادة اليائسين بما فيه الكفاية مثل موسيفيني من أجل المخاطرة باختراق أجهزة مسؤولين في الإدارة الأمريكية”.
إرساليات السلاح
ورأت أن “موسيفيني الذي اعتقد أن واشنطن قد سئمت منه، وعملت في الانتخابات الأخيرة على إسقاطه، يبدو أنه لم ير مخرجا آخر”، منوهة إلى أن “هذه القضية تضاف إلى وثائق رسمية إسرائيلية من “أرشيف الدولة”، كشف عنها مؤخرا، تدل على أن إسرائيل قدمت المساعدة على مدى سنين لقادة أوغندا الديكتاتوريين”، رغم تجنيدهم للأطفال واستخدامهم في القتال.
وأوضحت الصحيفة، أن “هذا الدعم له نموذج ثابت؛ في البداية إسرائيل تقدم مساعدة للحاكم في محاولة لاجتثاث القوات المتمردة ضده، وفي حال نجح الانقلاب على الفور يتغير التوجه وتبدأ بتأييد النظام الجديد دون أي تعاطف مع النظام الذي تعاونت معه قبل فترة قصيرة جدا، علما بأن إسرائيل تقدم هذه المساعدة حتى عندما تكون هذه الأنظمة معروفة بقسوتها وبقبضتها الحديدية في مواجهة معارضيها واستخدامها للأطفال في ساحات القتال”.
وتكشف وثائق رسمية من الأرشيف الإسرائيلي، أنه في تموز/ يوليو 1985 طلب قائد الجيش الأوغندي تيتو أوكلو الذي حكم بلاده بقبضة حديدية، من تل أبيب “مساعدة عسكرية لقمع المتمردين ضده، وكان موسيفيني يقف على رأس أقوى جماعة متمردة وأكثرها تنظيما وهي إن.آر.إي”.
وبحسب تقارير طاقم وزارة الخارجية الإسرائيلي، فقد “تقرر مساعدة أوكلو على تصفية التمرد الذي قام به موسيفيني مقابل استئناف رسمي للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين التي قطعت عام 1972”.
وذكرت “هآرتس” أنه “من أجل إخفاء العلاقات الدافئة استخدمت وزارة الخارجية ووزارة الأمن الدبلوماسي ومنسق أعمال الحكومة في لبنان السابق، أوري لوبراني، الذي أصبح فيما بعد رجل أعمال، ونفذت الشركات المرتبطة بلوبراني الصفقات لصالح وزارة الأمن، وهو نفسه قام بزيارة أوغندا عدة مرات من أجل التنسيق ونقل السلاح من إسرائيل، ويمكن التعرف على هذه العلاقة بين إسرائيل وأوكلو من عدة لقاءات جرت في تلك الفترة؛ ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 1985، زار ابن الجنرال أوكلو إسرائيل، وفي كانون الأول/ ديسمبر من نفس السنة زار لوبراني ومندوب عن “الموساد” وقائد حرس حدود أوغندا، وزار الجنرال أوكلو إسرائيل في 10 كانون الثاني/ يناير 1986″.
وفي التقرير الذي أعده لوبراني شرح أهمية إرساليات السلاح، وقال: “لقد تم القيام بثلاث رحلات جوية لطائرات مستأجرة من أجل نقل ثلاث إرساليات من السلاح إلى “عنتيبي”، التي كان يبدو أنها مهمة للنظام، سواء من ناحية نوعيتها أو من ناحية التوقيت، الأمر الذي ساعد على تمهيد الطريق للدفع قدما بجهوده لاستئناف العلاقات”.
تجنيد الأطفال للقتال
ولفتت الصحيفة إلى أن “كلا من وزارة الخارجية ووزارة الأمن في إسرائيل، أدركت أن حكم أوكلو ضعيف، وهناك فرصة جيدة لموسيفيني لإسقاطه بواسطة الدعم الذي حصل عليه من ليبيا (بحسب المزاعم الإسرائيلية)، ولكنهم قدروا أنه في حال انتصار موسيفيني فإنه سيجد صعوبة في إعادة التقدم الدبلوماسي الذي تم التوصل إليه”، منوها إلى أن تل أبيب كانت معنية “بعلاقات دبلوماسية رغم عدم الاستقرار الحالي السائد”.
وكشفت وثائق أخرى، أنه “منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر 1985 وبداية كانون الثاني/ يناير 1986 تمكنت إسرائيل من إرسال 3 طائرات سلاح، وفي المقابل وافق الجنرال أوكلو على أن يعين كل طرف ممثلا دبلوماسيا عنه، بحيث لا يكون مقيما، وفي 19 كانون الأول/ ديسمبر وافق موسيفيني على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار”.
وأوضحت الوثائق، أن “تقديرات أوكلو، رأت أن وقف إطلاق النار حدث بفضل الردع الذي وفره السلاح الإسرائيلي، ولكن سرعان ما انهار الاتفاق وتجددت المعارك، وإسرائيل واصلت التدخل في الأحداث، وفي 19 كانون الثاني/ يناير وصل آريه عوديد، ممثل إسرائيل في أوغندا، في زيارة إلى “كامبالا”، وفي 22 كانون الثاني/ يناير أطلقت الطائرات المروحية التابعة لأوكلو على المتمردين، الصواريخ التي حصلت عليها من إسرائيل ونجحت في جعلهم يتراجعون من المواقع التي سيطروا عليها، ولكن مساعدة إسرائيل (العسكرية) لم تساعد أوكلو، ففي 26 كانون الثاني/ يناير نجح موسيفيني في السيطرة على “كامبالا”، وهربت الزمرة العسكرية للجنرال أوكلو نحو الشمال”.
وأشارت إلى أنه “منذ 24 كانون الثاني/ يناير، أدركت وزارتا الخارجية والأمن في إسرائيل، أن هناك احتمالية جيدة لانتصار موسيفيني، وعندها قرروا وقف إرساليات السلاح، ورفضوا أي طلب آخر لمساعدة الجنرال أوكلو، الذي تحول من الحاكم إلى المتمرد الجديد، وبحسب برقية أرسلها آريه عوديد في 26 كانون الثاني/ يناير، ضمن أمور أخرى، تم وقف إرسالية تتكون من ألفي صاروخ أثبتت فاعليتها، رغم أنه تم تحويل ثمنها لإسرائيل”.
ورأت الصحيفة، أن “وقف إرساليات السلاح من إسرائيل في اللحظة الحاسمة، لم يؤد فقط إلى الإضرار بالقدرة العسكرية لقوات الجنرال أوكلو، بل تسبب أيضا في ضرر كبير في المعنويات”.
وأفادت وثيقة صادرة عن مدير القسم الأفريقي في وزارة الخارجية، أنه “بعد 4 أيام من السيطرة على “كامبالا” توجه مندوب موسيفيني إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وفي اليوم التالي التقى مبعوثو إسرائيل مع مندوبيه في نيروبي وبدأت المحادثات بين الطرفين”.
وذكرت الصحيفة، أن “مندوبي موسيفيني اشتكوا من أن إسرائيل سلحت زمرة الجنرال أوكلو وتجاهلت طلباتها للمساعدة، ولكن المندوبين الإسرائيليين أوضحوا أن إسرائيل تدعم الحكومات وليس المتمردين، ومن هنا فصاعدا بدأت وزارة الأمن الإسرائيلية في دعم موسيفيني وتدريب وتسليح قواته”.
وبينت أنه “سرعان ما تحول موسيفيني إلى أحد الديكتاتوريات الذين تستخدمهم إسرائيل وأمريكا، وإذا كان هناك أحد في العالم يحق له مخصصات تقاعد من وزارة الأمن الإسرائيلية فهو موسيفيني، فضمن أمور أخرى، هو ساعد أمريكا وإسرائيل في محاربتها الرئيس السوداني عمر البشير، وساعد موسيفيني أيضا في الدفع قدما بمصالح إسرائيل والولايات المتحدة في رواندا، وكان هو الذي أوصل إلى الحكم في الكونغو عائلة كابيلا، التي كانت لها علاقات أمنية واقتصادية متشعبة مع إسرائيل”.