الاثنين 11 اكتوبر 2021 22:02 م بتوقيت القدس
نشر موقع «ميدل إيست آي» الإخباري البريطاني تقريرًا سلَّط فيه الضوء على أسباب تصاعد التوترات في الأسابيع الأخيرة بين إيران وأذربيجان، اللتين تشتركان في حدود طولها 700 كيلومتر (430 ميلًا). وكانت طهران قد أجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق على طول حدودها مع جارتها القوقازية (أذربيجان) في بداية أكتوبر (تشرين الأول) بعد أسابيع فقط من إجراء أذربيجان وحليفتيها؛ تركيا وباكستان، مناورات عسكرية مشتركة في العاصمة باكو.
يُوضح التقرير أن المناورات العسكرية نُفِّذت وسط مزاعم إيرانية بأن الجيش الإسرائيلي منتشر على الأراضي الأذربيجانية. وخلال حرب العام الماضي التي اندلعت في إقليم «ناجورني قره باغ» ضد أرمينيا، كانت أذربيجان قد نشرت طائرات إسرائيلية من دون طيار من طراز «كاميكازي» في ساحة المعركة، بينما حصلت على أسلحة ومساعدات فنية من تركيا، مما أسهم في تحقيق انتصارها العسكري على أرمينيا.
وفي حين أن التوترات الراهنة بين أذربيجان وإيران اقتصرت حتى الآن على نشوب حرب كلامية بين الطرفين وإجراء مناورات عسكرية على طول حدودهما، فإن ثمة مخاوف بشأن إمكانية تصاعد هذه التوترات إلى صراع شامل. ويعيش في منطقة شمال إيران، على الحدود الجنوبية لأذربيجان، عدد كبير من الأذريين الذين يُمثلون أكبر أقلية في إيران، مما يعني أن التصعيد قد يكون له عواقب كارثية.
وفي السطور الآتية، يرصد تقرير «ميدل إيست آي» أسباب الخلاف الأخير.
«ناغورني قره باغ»
يُؤكد التقرير أن جزءًا كبيرًا من المشكلات بين إيران وأذربيجان تعود جذورها إلى الحرب التي اندلعت العام الماضي في إقليم «ناجورني قره باغ» بين أذربيجان وأرمينيا، موضحًا أن إقليم «ناجورني قره باغ» منطقة جبلية مُتنازع عليها في أذربيجان كانت تحت سيطرة القوات الأرمينية طيلة ثلاثة عقود تقريبًا قبل حرب عام 2020. وفي تسعينيات القرن العشرين، انفصلت المنطقة عن أذربيجان، لكن لم تعترف بها أي دولة في العالم حتى الآن.
ويُشير التقرير إلى أن الأرمن الانفصاليين المدعومين من حكومة أرمينيا في العاصمة يريفان، يسعون منذ أمد طويل للانفصال عن أذربيجان، وأن يصبحوا جزءًا من أرمينيا، ولكن لم يكتب لهم النجاح في ذلك. وفي أعقاب حرب العام الماضي والتي استمرت 44 يومًا وانتهت بعد اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة من روسيا، أعلنت أذربيجان أنها استعادت جزءًا كبيرًا من الأراضي في «ناجورني قره باغ» وما حولها، والتي فقدتها خلال الصراع المسلح الذي اندلع خلال المدة من عام 1991 إلى عام 1994 وأودت بحياة نحو 30 ألف شخص.
وظلت إيران، المتاخمة لكلا البلدين، صامتة إلى حد كبير خلال الأعمال العدائية، لكنها اعترفت في نهاية الحرب بأن المنطقة المتنازع عليها كانت أراضي أذربيجانية، على الرغم من كونها حليفًا تقليديًّا لأرمينيا، بعدما تيقنت أن موازين القوى لم تعد لصالح حليفتها التقليدية.
مناورات عسكرية
يُلقي التقرير الضوء على السبب الثاني وراء تصاعد التوترات، وهو استضافة أراضي أذربيجان مناورات عسكرية مشتركة مع تركيا وباكستان في يوم 12 سبتمبر (أيلول)، مرجِّحًا أن تكون هذه خطوة أدَّت إلى استفزاز طهران على ما يبدو.
وصرَّحت وزارة الخارجية الإيرانية بأن المناورات الثلاثية التي أُطلِق عليها اسم مناورة «الأخوة الثلاثة 2021» انتهكت أحكام اتفاقية الوضع القانوني لبحر قزوين، التي تنص على أن أي قوات مسلَّحة غير تابعة لأذربيجان وإيران وكازاخستان والاتحاد الروسي وتركمانستان ممنوعة من الانتشار في بحر قزوين (ينص أحد بنود الاتفاقية على: منع وجود قوات مسلحة للقوى الأجنبية الإقليمية والدولية في بحر قزوين). لكن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ بسبب عدم مصادقة إيران عليه بعد.
وكان الهدف المعلن للمناورات العسكرية هو تعزيز العلاقات الثنائية القائمة وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب. وفي حفل تدشين المناورات، أقرَّ الفريق حكمت ميرزاييف، قائد القوات الخاصة الأذربيجانية، بدعم تركيا وباكستان لأذربيجان في حربها التي استمرت 44 يومًا ضد أرمينيا.
الأمن التجاري
أما عن السبب الثاني، فقد نوَّه التقرير إلى أنه بعد أيام قليلة من انطلاق المناورات العسكرية، أظهرت تقارير أن أذربيجان كانت تفرض قيودًا على الشاحنات الإيرانية التي تستخدم طريقًا كان يربط سابقًا بين أرمينيا وإيران، والذي استولت عليه أذربيجان بعد انتهاء حرب 2020.
وفي السابق، كانت إيران تستخدم هذا الطريق للوصول إلى روسيا ومنطقة غرب آسيا من دون قيود. وشملت القيود الجديدة التي فرضتها أذربيجان إقامة بعض نقاط التفتيش وتحصيل ضريبة طرق من السائقين الإيرانيين، بالإضافة إلى احتجاز عدد من السائقين، وهو ما يتناقض بوضوح مع أحكام اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسَّطت فيه روسيا والذي يضمن التدفق الحر لحركة المرور في المنطقة.
وكان إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان، قد تطرق إلى هذه القضية في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء الأناضول التركية مؤخرًا، مدَّعيًا أن الشاحنات الإيرانية كانت تدخل قره باغ «بطريقة غير قانونية» قبل حرب 2020. وأوضح أن نحو 60 شاحنة إيرانية دخلت منطقة قره باغ الأذربيجانية من دون الحصول على تصاريح في المدة من 11 أغسطس (آب) حتى 11 سبتمبر (أيلول)، وأن الضوابط والقيود الجديدة التي فرضتها البلاد جاءت ردًّا على هذا الانتهاك.
ويُضيف علييف موضحًا أنه «بعد ذلك، بدأت أذربيجان في السيطرة على الطريق المار عبر الأراضي الأذربيجانية، لينخفض عدد الشاحنات القادمة من إيران إلى قره باغ حتى يصل إلى الصفر»، مؤكدًا ضرورة دفع الشاحنات الإيرانية ضرائب عند دخولها إلى الأراضي الأذربيجانية.
وفي الوقت نفسه، زعمت وسائل إعلام إيرانية أن أرمينيا تعتزم التنازل لأذربيجان عن مقاطعة «سيونيك» الإستراتيجية، والتي تقع في أقصى جنوب أرمينيا بين جمهورية ناخيتشيفان (نَخجَوان) الأذربيجانية الذاتية الحكم من الغرب، وأذربيجان من الشرق، وإيران من الجنوب، بالإضافة إلى أن مقاطعة سيونيك ترسم حدود أرمينيا مع إيران.
وفي هذا الصدد، ينقل التقرير عن الباحث الإيراني فاردين افتخاري أنه في الوقت الذي ضمنت فيه اتفاقية وقف إطلاق النار، التي أُبرِمت في عام 2020، لأذربيجان ممرًا يربط ناخيتشيفان بسائر أذربيجان عبر مقاطعة سيونيك، فإن باكو «غير راضية عن هذا المخطط». ويجادل الباحث الإيراني بأن باكو «تتمسك بتحقيق هدف طموح يتمثل في الاستيلاء على كل مقاطعة سيونيك؛ مما قد يضع إيران في موقف جيوسياسي ضار».
طموح تركي يُفاقم الأزمة!
ويشرح افتخاري ذلك بأن: «طهران ستفقد ارتباطها بأرمينيا وسهولة الوصول إلى المنطقة، بينما ستضطر للتعامل مع قوة إقليمية متحفزة حديثًا ومدعومة بقوة من إسرائيل عدو إيران اللدود».
ومن جهة أخرى، أكدَّت الدكتورة شيرين هنتر، الباحثة الإيرانية الأمريكية والدبلوماسية السابقة، أن تركيا، التي لا تشترك في حدود مع أذربيجان، تحاول منذ مدة طويلة إنشاء رابط مباشر مع أذربيجان من خلال منع وصول إيران إلى أرمينيا. وقالت شيرين لموقع «ميدل إيست آي» إن: «تركيا لطالما أرادت أن يكون لها طريق بري يربطها بأذربيجان ومن هناك إلى شمال إيران ومنطقة آسيا الوسطى».
وأضافت الدبلوماسية الإيرانية السابقة أنه: «إذا قررت تركيا المضي في الطموح الطويل الأمد المتمثل في إنشاء رابط مباشر مع جمهورية أذربيجان من خلال منع إيران من الوصول إلى أرمينيا، فإن خطر التصعيد سوف يتفاقم».
الوجود العسكري الإسرائيلي في أذربيجان
ألمح التقرير إلى أن إسرائيل، العدو الإقليمي لإيران، كانت أحد الداعمين الأساسيين لأذربيجان في صراع «ناجورني قره باغ»، بالإضافة إلى أنها ثاني أكبر مورِّد للأسلحة لباكو بعد روسيا. وأفاد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (معهد مستقل مكرس للبحث في الصراعات والتسلح ومراقبة الأسلحة ونزع السلاح)، أنه على مدار السنوات القليلة الماضية كانت إسرائيل أكبر مورِّد للأسلحة إلى أذربيجان، وبلغت قيمة مبيعات الأسلحة نحو 825 مليون دولار بين عامي 2006 و2019.
وفي يوم 6 أكتوبر، أعرب كبير الدبلوماسيين الإيرانيين عن «مخاوف خطيرة» بشأن الوجود الإسرائيلي المزعوم في منطقة القوقاز. وأكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، لوسائل الإعلام في موسكو أن إيران «لن تتسامح مع أي تغيير جيوسياسي وتغيير للخريطة في منطقة القوقاز». مشيرًا إلى «ما تشعر به من مخاوف خطيرة بسبب وجود إرهابيين وصهاينة في هذه المنطقة».
بيد أن باكو نفَت مزاعم الوجود العسكري الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإيرانية ووصفت هذه المزاعم بأنها «لا أساس لها من الصحة». وفي أعقاب المناورات الثلاثية، بدأت إيران مناورات عسكرية بالقرب من معبريّ بولداشت وجولفا الحدوديين مع أذربيجان. وتضمنت المناورات وحدات مدرعة ومدفعية وطائرات من دون طيار وطائرات مروحية.
من جهته، أعرب الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف عن استغرابه من التدريبات العسكرية الإيرانية على حدودها الشمالية. وصرَّح علييف لوكالة الأناضول قائلًا إن: «هذا حدث فريد من نوعه. ويمكن القول إن كل دولة لديها الحق في إجراء أي مناورات عسكرية على أراضيها فهذا حقها السيادي، لكن لماذا الآن، ولماذا على حدودنا؟ ولماذا لم تُجرَ التدريبات عندما كان الأرمن في مناطق جبرائيل وفيزولي وزانجيلان؟ لماذا لم تجرَ المناورات الآن بعد أن حررنا هذه الأراضي، بعد 30 عامًا من الاحتلال»؟
وأبرز التقرير أن علييف أوضح في يوم 5 أكتوبر أن باكو «لن تترك اتهامات طهران التي لا أساس لها من الصحة بشأن الوجود العسكري الإسرائيلي على الأراضي الأذربيجانية بلا رد». وفي الوقت نفسه، دافع أمير عبد اللهيان عن حق بلاده في إجراء مناورات عسكرية داخل أراضيها.
وبحسب وسائل إعلام رسمية إيرانية، قال وزير الخارجية لسفير أذربيجان الجديد إن: «إيران لن تتسامح مع نشاط النظام الصهيوني ضد أمنها القومي وسوف تتخذ طهران ما يلزم من إجراءات»، في إشارة إلى الوجود الإسرائيلي المزعوم على الحدود الإيرانية.
العامل العرقي: أقلية أذرية في شمال إيران
وفي الختام، يُرجح التقرير أن تكون طهران متخوفة أيضًا من تأثير الانتصارات التي تحققها أذربيجان والتحالفات الإقليمية على الأقلية الأذرية التي تعيش في شمال إيران، ويقطن عدد كبير من السكان الأذريين في هذه المنطقة، وتفيد التقديرات بأنهم أكبر أقلية في البلاد. وكان الأذريون في شمال إيران قد أقاموا احتفالات عامة بعد انتصار أذربيجان في نزاع «ناجورني قره باغ» وطالبوا بإغلاق الحدود الإيرانية الأرمينية في أعقاب الحرب.
ويستشهد التقرير بما قالته شيرين هنتر: «من المؤكد أن إيران تشعر بالقلق بشأن طموحات باكو تجاه أراضيها والدعاية القومية التركية التي تنطلق من باكو وحتى من تركيا. ومع ذلك، لا يوجد في الوقت الراهن تهديد حقيقي بالانفصال من السكان الأذريين عن إيران».
وتستدرك شيرين قائلة: «لكن المشهد قد يتغير إذا تفاقمت الأزمة أكثر، وإذا انخرطت قوى خارجية. وفي نهاية المطاف، قد يعني اقتراح نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بضرورة تبني إستراتيجية «الموت بألف جرح» ضد إيران، أن تُقطَّع أوصال إيران».