نشرت صحيفة “غازيتا” الروسية تقريرا، على إثر إعلان الجيش الأمريكي الانسحاب من أفغانستان، تناولت فيه الحروب غير المتكافئة بين الجيوش عالية التجهيز والمجموعات ذات التسليح البسيط، وكيفية التغلب على التكنولوجيا الحديثة باعتماد تكتيكات حرب العصابات.
وقالت الصحيفة في تقريرها، إن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان طرح العديد من التساؤلات، حول مدى قدرة جيش بسيط الإمكانيات، ولكن يتمتع بحافز قوي، على الانتصار ضد جيش يمتلك أفضل التكنولوجيات وأكثرها تطورا.
وتضيف الصحيفة أن الإجابات حول هذا السؤال قد تكون متناقضة، وهي تختلف من سياق لآخر، حيث أن تاريخ القرن العشرين والعقدين الأخيرين شهد حروبا عديدة كانت نتائجها متباينة.
سيناريوهان مختلفان للحرب
وتقول الصحيفة إن هنالك حروبا تمكنت فيها التكنولوجيات الحديثة من حسم المعركة ضد جيوش قوية وتقليدية، تم بناؤها وفقا لنموذج منتصف القرن العشرين. ومن هؤلاء هنالك الجيش العراقي الذي هزم على يد الولايات المتحدة وحلفائها في عاصفة الصحراء في 1991. وهنالك أيضا هجوم حلف الناتو ضد يوغوسلافيا في 1999، والمرحلة الأولى من حرب العراق التي انتهت بسقوط نظام صدام حسين في نيسان/ أبريل 2003.
في كل هذه الصراعات، تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من توظيف تفوقها التكنولوجي، من أجل تحقيق هزيمة ساحقة ومصيرية، معتمدة على تفوقها الجوي، المتبوع بالعمليات البرية السريعة لتثبيت مكاسبها.
ولكن تشير الصحيفة في المقابل إلى أن بعض الصراعات، على غرار المرحلة الثانية من حرب العراق، التي يمكن اعتبار أنها انطلقت بعد انهيار نظام صدام حسين، إلى جانب سنوات احتلال أفغانستان التي تشهد الآن نهاية مخزية لواشنطن، وعمليات حلف الناتو في ليبيا وسوريا، كلها أمثلة على حروب عجز التفوق التكنولوجي عن حسمها.
وأضافت الصحيفة مثالا آخر واضحا على قدرة جيش بسيط التجهيزات على الصمود أمام التجهيزات المتطورة، وهو المعركة بين المملكة العربية السعودية والحوثيين في اليمن. حيث أن جيش المملكة المدجج بأكثر الأسلحة تطورا، تعرض لانتكاسات متكررة من رجال ملتحين يرتدون ملابس بسيطة ولا يتجاوز تسليحهم في غالب الأحيان بندقية كلاشنيكوف.
وهكذا ترى الصحيفة أن غلبة الجيوش المعززة بالتكنولوجيا في الصراعات الحديثة ليست نتيجة حتمية أو مضمونة، وبالتالي فإن السؤال المطروح يتعلق بالوصفة السحرية التي مكنت بعض المجموعات المقاتلة من الصمود أمام القوات الأمريكية، وإجبارها في النهاية على الانسحاب.
الرهان على حرب العصابات
تقول الصحيفة إن أفضل مثال يجب دراسته في هذا الصدد هو المرحلة الثانية من حرب العراق، وقد امتدت لثمان سنوات، من أذار/ مارس 2003 حتى كانون الأول/ ديسمبر 2011.
إذ أن الجيش الأمريكي شن في البداية هجوما بنفس أسلوب عاصفة الصحراء، أدى لتدمير الجيش النظامي العراقي بالكامل. ولكن بعد انهيار نظام صدام حسين، غرقت القوات الأمريكية في حرب يائسة ضد تشكيلة واسعة من المجموعات والحركات غير النظامية، التي شنت حرب عصابات، دون أن تكون لها قيادة موحدة، وقد اعتمدت على دعم السكان المحليين، واستخدمت أسلحة بسيطة وبدائية.
ومن أوضح الأمثلة على طبيعة هذا الصراع غير المتكافئ، هنالك العمليات التي شهدتها المنطقة الخضراء في بغداد، حيث يتواجد مركز عمليات الجيش الأمريكي. هذه المنطقة التي يفترض أنها محصنة تعرضت للاستهداف من طرف المتمردين العراقيين بالصواريخ وقذائف الهاون في عدة مناسبات، منها هجوم في نيسان/ أبريل 2003، استخدمت فيه عربة بسيطة يجرها حمار، من أجل نقل مدفع الهاون وتنفيذ قصف أدى لمقتل اثنين من الجنود الأمريكيين وجرح 17.
وهنالك مرحلة أخرى في حرب العراق، بدأت مع وصول مقاتلي تنظيم الدولة، وهذه اتسمت بخصائص أخرى مختلفة، حيث تم الاعتماد على الشاحنات الخفيفة المزودة بمضادات طائرات ومدافع رشاشة.
هذه الأسلحة التي تم اختبارها أيضا في ليبيا وأثبتت نجاعتها في حروب العصابات الحديثة، دفعت بالجيوش النظامية للتفكير في تصنيعها أو شرائها.
حرب العصابات انتقلت إلى الجو
وتشير الصحيفة إلى ثورة أخرى شهدتها الحروب غير المتكافئة في السنوات الأخيرة، تمثلت في انتشار الطائرات المسيرة. إذ أن الاعتماد على هذه الطائرات الصغيرة والمتطورة بدأ مع الحرب في سوريا في 2011 وأوكرانيا في 2014.
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى الصعوبة التي واجهتها القوات الروسية في سوريا، في وضع إجراءات فعالة لحماية قاعدة حميميم الجوية والتوقي من هجمات الطائرات المسيرة التي كان يتم استخدامها ضدها.
وتضيف الصحيفة أن أفغانستان أيضا شهدت استخدام طالبان لطائرات مسيرة من النوع الأكثر بساطة والأقل كلفة، وهي ذات المراوح الأربع التي تباع حتى في الأسواق العادية، وتطير بحمولة بسيطة لوقت محدود. ولكن للتغلب على نقاط الضعف هذه، اعتمد مقاتلو طالبان في حربهم غير المتكافئة على التحركات الميدانية والدراجات النارية، من أجل الاقتراب من العدو وإطلاق الطائرات المسيرة من مسافة قريبة، للقيام بمهام التجسس والهجوم.
وفي الختام أشارت الصحيفة إلى أن القاعدة البسيطة التي تستخدمها الجيوش غير النظامية خلال الحروب غير المتكافئة، هي استخدام أي شيء يؤدي لقتل العدو. وبحسب هذه الفكرة، لا يوجد سلاح سيء، إذ أن أي شيء يؤدي إلى إيقاع خسائر في صفوف القوات المعادية، يمكن استخدامه، حتى لو كان جهازا مدنيا تم تعديله. وبالتالي حتى في مواجهة أفضل الجيوش تجهيزا وتطورا، يمكن الاعتماد على مقاتلين يتمتعون بدعم السكان المحليين وبعض المساعدة الخارجية، من أجل تحقيق الانتصار.