الاربعاء 30 يونيو 2021 13:54 م بتوقيت القدس
منذ إعلان وفاة الناشط والمعارض السياسي نزار بنات، بعد ساعات من اعتقاله، الخميس الماضي، من قبل قوة أمنية فلسطينية، تشهد الضفة الغربية توترا متزايدا ألقى بظلاله على “الشارع والحكومة ولجنة التحقيق الرسمية” في الحادثة.
وتسلم رئيس الوزراء محمد اشتية، الثلاثاء، تقرير لجنة التحقيق المشكلة برئاسة وزير العدل محمد الشلالدة، للنظر في ظروف وملابسات وفاة بنات.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية “وفا”، إن رئيس الوزراء سيحيل التقرير كما هو إلى “الجهات الجزائية في القضاء العسكري لاتخاذ المقتضى القانوني ما يضمن تحقيق العدالة”، دون تفاصيل عن فحوى التقرير.
والخميس، قال محافظ الخليل، جنوبي الضفة الغربية، جبرين البكري، إن قوة أمنية فلسطينية اعتقلت بنات، بناء على مذكرة توقيف من النيابة العامة، “وخلال ذلك تدهورت حالته الصحية وتم تحويله إلى مستشفى الخليل الحكومي، حيث أعلن عن وفاته”.
وأصدرت معظم الفصائل الفلسطينية بيانات أدانت فيها ما وصفتها بـ”الجريمة”.
ويحظى “بنات” بشهرة واسعة في الداخل، لجرأته وانتقاده الحاد للقيادة الفلسطينية، وسبق أن اعتقلته أجهزة الأمن عدة مرات؛ وكان مرشحا في قائمة “الحرية والكرامة” المستقلة لخوض انتخابات المجلس التشريعي، التي كانت مقررة يوم 22 مايو/ أيار الماضي، قبل صدور مرسوم رئاسي (في 30 أبريل/ نيسان الفائت) بتأجيلها إلى أجل غير مسمى.
ارتدادات وتفاعلات
أحدث ارتدادات القضية إعلان حازم الأشهب، طبيب عائلة المتوفى عبر حسابه على فيسبوك، انسحابه من لجنة التحقيق الرسمية في الحادثة، ليلتحق بـ “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” (حكومية، تتمتع باستقلالية في العمل) التي اعتذرت عن المشاركة من البداية.
كما أعلنت نقابة المحامين الفلسطينيين، الأحد، اعتذارها عن المشاركة “انسجاما مع موقفها المعلن والسابق بضرورة تشكيل لجنة حيادية ومستقلة وفورية”.
ووصلت ارتدادات الحادثة إلى الحكومة، حيث أعلن حزب الشعب الفلسطيني ذو التوجهات اليسارية، الأحد، استقالة ممثله وزير العمل نصري أبو جيش.
هذه التطورات تأتي في ظل مظاهرات تشهدها الضفة الغربية، تنديدا بـ “اغتيال” بنات، تعرض فيها صحفيون للتنكيل والتهديد على أيدي أفراد الأمن الفلسطيني، وهي تصرفات أدانتها مؤسسات حقوقية.
محاولات لاحتواء الأزمة
في بيان صادر عن لجنتها المركزية، السبت، قالت حركة “فتح” التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إنها تدعم قرار تشكيل لجنة تحقيق حول مقتل “بنات”، ودعت إلى إعلان النتائج للملأ، وإحقاق الحق لأصحابه.
وأضافت أنها ترفض “محاولات بعض الأطراف (…) استغلال هذه الحادثة بهدف إثارة الفتن والقلاقل في المجتمع الفلسطيني”، دون تسمية تلك الأطراف.
وفي ظل التجاذبات الحادة في الميدان، وعلى شبكات التواصل يقول عصام أبو بكر، منسق القوى الوطنية والإسلامية بمدينة رام الله (هيئة تضم ممثلي جميع الفصائل)، إن “المطلوب هو الذهاب باتجاه عقلنة الأمور، وعدم الانجرار لمربعات لا يريدها الشعب الفلسطيني”.
ويضيف للأناضول، أن المطوب أيضا “تجاوز الحالة الراهنة وحالة الاحتقان الداخلي والاصطفافات التي تسعى لخلق حالة فوضى في الأراضي الفلسطينية، الرابح فيها الاحتلال”.
ويكشف عن تحرك للقوى الوطنية والإسلامية لتطويق الأزمة، مضيفا أنها “تعمل في كل الاتجاهات لامتصاص فتيل الأزمة الداخلية وضمان اتخاذ تدابير وإجراءات محددة من قبل المستوى السياسي والحكومة والأجهزة الأمنية لامتصاص غضب الشارع”.
ويشير إلى عدة لقاءات ومشاورات جرت وتجري مع مختلف الأطراف والمكونات “لتشكيل جبهة شعبية وطنية لحماية السلم الأهلي، ووقف العبث بكل الوضع الداخلي الفلسطيني”.
وينبه أبو بكر إلى أن “التجمع السلمي مكفول وحرية الرأي مكفولة، وعلى الجهات الرسمية المختصة العمل على احترام مبدأ سيادة القانون ووقف أي تعديات عليه”.
المخرج حكومة وحدة وطنية
من جهته يقول أسعد العويوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة بمدينة بيت لحم (جنوب)، للأناضول، إن المطلوب تحرك سريع “للعقلاء والحكماء على أرضية عدم الإقصاء”، لمعالجة الأزمة الراهنة.
ويضيف أن “الجميع يدين حادثة مقتل نزار بنات، بمن فيها قيادات وكوادر حركة فتح”، معتبرا أنه “لا يجوز استخدام قضية نزار للخروج بشعارات غير موضوعية وتعزز الانقسام (بين الضفة وغزة والمستمر منذ 2007)” .
ويشدد على الدور المركزي “لقيادات وحكماء حركتي فتح وحماس في الحد من التوتر والخروج من الأزمة، وإقامة حكومة وحدة وطنية بأسرع وقت ممكن”.
ولا يستبعد العويوي “وجود أيد خفية تريد العبث بالشارع الفلسطيني والفوضى”، محذرا من أن الأمور “تتجه نحو الأسوأ إذا لم يتدخل العقلاء والحكماء”.
ويرى الأكاديمي أن المسؤولية تقع على وزير العدل “في إصدار تقرير شفاف ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة لامتصاص غضب الشارع”.
ويؤكد أن المطلوب أيضا “اعتبار نزار شهيدا، وجبر خاطر العائلة وكرامتها وتبني أسرته لتعيش حياة كريمة”.
والأحد، أطلق أسرى محررون من مختلف الفصائل، بمدينة رام الله، مبادرة تتضمن المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في وفاة “بنات”، يرأسها قاضٍ سابق، وعضوية ممثلين عن مؤسسة الحق (غير حكومية) والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وممثل عن عائلة “بنات”، على أن تسهل السلطة الفلسطينية عملها.
وفي مستهل الجلسة الأسبوعية للحكومة، الإثنين، قال اشتية، إن لجنة التحقيق في وفاة “بنات” ستقوم بعملها “بكل شفافية”، متعهدا بإحالة من يثبت تورطه في الحادثة إلى القضاء.
وطالب اشتية، الجميع بالتحلي “بروح المسؤولية العالية وألا يتم تحريف الأمر إلى أجندات سياسية، وحملات التشهير المأجورة”.