الاثنين 08 فبراير 2021 21:03 م بتوقيت القدس
ما يتعرض له مجتمعنا الفلسطيني في الداخل لا يقل عن الخطر الوجودي، ويستوجب منّا أداءً يرتقي إلى هذا المستوى من الخطر، وهذا لا يكون إلا بتوجيه طاقات مجتمعنا لتنصبّ على مشكلاتنا الحقيقية فتقدم لها الحلول، وأي توجيه لهذه الطاقات في غير هذه الوجهة المرجوّة يعني هدرها وتفريغها فيما هو أقل أهمية وإشغالها بالقشور عن اللبّ.
إن ما نشهده من انشغال وانهماك في مسألة انتخابات الكنيست والمبالغة في ذلك، قد يُغتفر لمجتمع قد تجاوز مشكلاته الكبرى ولكنه لا يليق أبدا بمجتمع يعاني ما نعانيه من إطلاقٍ للجريمة ونشر للمخدرات وهتك للقيم، مجتمع هو أحوج ما يكون لطاقات أبنائه لا سيما الشباب منهم. لذلك يا شبابنا: لا تهدروا طاقاتكم في ميادين الانتخابات، بل سخّروها لإنقاذ مجتمعكم الذي أثخنته الجراح، عبر تقديم وتنظيم المبادرات والحراكات.
يقول المفكر بشير الإبراهيمي (وهو من مقاومي الاستعمار الفرنسي للجزائر) أن لبّ السياسة هو الانشغال بتثبيت الهوية الجامعة بمركباتها المختلفة وإصلاح ما يشوبها من تشويه، أما الانشغال بالانتخابات والتهافت عليها فهو من قشور السياسة التي لا تقدم إنجازا حقيقيا وهي في الغالب تأتي على حساب الانشغال بلبّ السياسة وتهدر طاقات الشباب فيما لا يفيد بدلا من توجيهها وجهة الإصلاح والتغيير. وقد ذكر أن الاستعمار الفرنسي كان يخشى من النشاط الإصلاحي بينما تجد هذا الاستعمار لا يأبه بالأحزاب المنشغلة بالانتخابات عن لبّ السياسة.
أما المفكر مالك بن نبي فقد كتب: "إن السياسة التي لا تُحدّث الشعب عن واجباته، وتكتفي بأن تضرب له على نغمة حقوقه، ليست سياسة، وإنما هي خرافة أو هي تلصص في الظلام".
وبتنزيل كلام بن نبي على واقعنا أقول، أن الانشغال بمسألة الحقوق المدنية والمطالب المعيشية والتركيز على الانتخابات وإهمال واجباتنا تجاه أنفسنا ونحن نتعرض لتهديد استراتيجي ووجودي، ليس سياسة! وإنما هو انشغال بالقشور عن الجوهر وتبديد لطاقات نحن بأمس الحاجة إليها في ميادينها الصحيحة.