الاحد 29 نوفمبر 2020 14:42 م بتوقيت القدس
تمكنت دراسة طبية حديثة من تحديد الطريقة التي يبني بها الدماغ "ذاكرته الاستشعارية"، حتى يصبح قادرا على فهم الأحداث والمواقف من خلال إقامة علاقة بين ما جرت معايشته في الماضي وما يحصل في الحاضر.
ويعمل دماغ الإنسان على فك شيفرة المعلومات التي تجمعها الحواس حاليا، لكن ترجمة ما وصلنا عن طريق الحواس لا يصبح ممكنا إلا بوضعه في سياق ما عايشناه في وقت سابق.
ويعني هذا الأمر أن ما يصلنا بالحواس يحتاج بشدة إلى أن يوضع في سياق، أي أنه لا يمكن أن ينفصل عن تجاربنا السابقة، بحسب دراسة منشورة في مجلة "ساينس" العلمية.
وأكد فريق علمي بإشراف الباحث جوهانز ليتزكو من معهد "ماكس بلانك" لبحوث الدماغ، أنه حدد طريقة مرجحة بقوة لنشوء هذه الذاكرة.
وتعد منطقة "القشرة المخية" أكبر منطقة في دماغ الإنسان، ويرجح العلماء أن تكون قد تمددت وشهدت تغييرات بارزة خلال تطور الكائنات الثديية.
وفي وقت لاحق، استطاعت هذه المنطقة الدماغية أن تكتسب قدرات ميزتها عن أقرب الكائنات إليها، وعندما يحصل أي خلل في هذه المنطقة فإن الإنسان يعاني اضطرابات نفسية مختلفة.
ويجري تحفيز الوظائف المعرفية الكبرى في هذه المنطقة الدماغية، من خلال عمليتي نقل منفصلتين للمعلومات، أولاهما "من الأسفل إلى الأعلى"، والثانية "من الأعلى إلى الأسفل".
وتجري العملية الأولى، أي "من الأسفل إلى الأعلى"، من خلال حمل المعلومات من البيئة المحيطة بالحواس إلى الدماغ، أما العملية الثانية، أي "من الأعلى إلى الأسفل"، فيتم بها تحويل ما جرى الحصول عليه وفك شيفرته، عبر وضعه في سياق التجارب السابقة.
ويقول الباحث ليتزكو، إن العلماء قضوا عقودا وهم يدرسون الطريقة التي يترجم بها الدماغ ما يحصل عليه من بيانات "خام" من الحواس، لكن ما نعرفه حتى الآن لا يزال في بداياته.
وبما أن ما جرى التوصل إليه يشكل أهمية كبيرة، حتى وإن لم يكن واضحا جدا، درس الباحثون مصادر الإشارات التي تنبعث في هاتين العملتين، أملا في أن يعرفوا كيف تمكنان الإنسان من بناء ذاكرة الاستشعار.
وشرح الباحث: "ما كشفه فريقنا أو باحثون آخرون هو أن طبقة علوية من القشرة الحديثة في الدماغ هي الموقع الأبرز لتلقي المعلومات في إطار عملية (من الأعلى إلى الأسفل)، أي تحويل ما وصل من الحواس إلى شعور، اعتمادا على السياق وما تراكم من خبرات سابقة".
وبالاعتماد على هذه المعلومة، تمكن الباحثون من تحديد منطقة من الدماغ تعرف بـ"الثلاموس"، قائلين إنها بمثابة المصدر المرجح بشكل كبير لهذه العمليات المعلوماتية الداخلية في الدماغ.
وبفضل هذه النتائج، أجرت الباحثة بيلين باردي تجربة على فأر تجارب داخل مختبر، في مسعى إلى التأكد من مصادر هذه الإشارات التي تلعب دورا في بناء الذاكرة الاستشعارية.
وعملت الباحثة على رصد الاستجابة في منطقة "الثلاموس" بدماغ الفأر، فجاءت النتائج على نحو واضح جدا، وتبين أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بمسألة الذاكرة وبنائها بشكل تراكمي اعتمادا على ما تجري معايشته.