عشنا 11 شهرا بدا فيها أن كل شيء يسير بطريقة خاطئة، وما عدنا نتوقع سوى الأسوأ، وصنفنا أيامنا على أنها أصعب ما مر على إنسان، لكن هل تراكمت الأحداث المرعبة حقا عام 2020، بطريقة لم تحدث في أي عام آخر في تاريخ البشرية؟ أم أنه من المستحيل الحكم على فظاعة أيام لم نعشها في القرن السادس الميلادي؟
1348.. عام الموت الأسود
إذا تخيلت أن وباء كورونا هو الأسوأ، فأنت لم تسمع بالتأكيد عن “الموت الأسود” (الطاعون). فقد انتشر المرض بسرعة في بريطانيا عام 1348، واستفحل لسنوات عديدة قبل وبعد ذلك في أجزاء مختلفة من العالم، حتى أصبح أفتك الأوبئة منذ بداية العالم وحتى يومنا هذا، لأن هذا الطاعون أفرغ سمومه تماما حتى تسبب في قتل ثلث الجنس البشري بالكامل، وانتشرت قصص آكلي لحوم البشر لموت المزارعين ونفاد الطعام.
تنقل الطاعون شمالا وجنوبا في أوروبا، يمر من قرية إلى أخرى، ويعبر الأنهر والبحار، ويسكن المنازل والقلاع. تراوحت معدلات الوفيات في المجتمعات الريفية الصغيرة بين 19% و80%، حيث لا يزيد عدد السكان عن 400 فرد، لتختفي 1000 قرية في بريطانيا وحدها، ولم يكن إخلاء المستوطنات فعالا لوقف انتشار المرض، وكان لابد من القضاء على عائلات بأكملها.
حملت السفن الأوروبية الوباء جنوبا عبر البحر المتوسط، لينتشر سريعا في أنحاء أفريقيا، والشرق الأوسط، وقد فقدت القسطنطينية 90% من سكانها، وسجل أحد الكتاب في دمشق أن الطاعون جلس مثل الملك على العرش وتمايل بقوة، مما أسفر عن مقتل الآلاف كل يوم، ومزقت الكلاب جثث الموتى التي لم تدفن في الشوارع، بسبب ندرة الأحياء، حتى توقف الطاعون أخيرا نهاية القرن 17.
1492.. تاريخ جديد
في ذلك العام، أكمل الملوك الكاثوليك غزوهم لغرناطة ضمن خطة لتأسيس “أوروبا المسيحية” وذلك بالقضاء على الهويات السياسية والدينية التي ربطت شواطئ البحر المتوسط لنحو ألفي عام.
قتل ما يقرب من نصف مليون مسلم من سكان المنطقة في غضون بضع سنوات، وتم استعباد أو طرد البقية، مما كشف عن نية لاضطهاد وطرد مماثل السنوات التالية. بالفعل حدث ذلك نفس العام، بعد الرحلة الأميركية الأولى للأوروبي كريستوفر كولومبوس، وتسبب اكتشافه في تنافس إسبانيا والقوى الأخرى على التجارة والأراضي.
لم ينته الكابوس مع حلول أوائل القرن 16، فقد جرفت أوبئة العالم القديم الأميركيتين، وبدأت سلسلة أمراض فتاكة تسببت في النهاية بمقتل حوالي 90% من السكان الأصليين بحلول منتصف القرن 19، والأسوأ كان اتجاه الأوروبيين لأفريقيا بحثا عن مصدر جديد للعمالة المستعبدة.
536.. الأسوأ على الإطلاق
حدد فريق بحثي من جامعة نوتنغهام ومعهد تغير المناخ عام 536، ليكون أسوأ وقت على الإطلاق للبقاء على قيد الحياة. بدأت السنة العصيبة بثوران بركاني عملاق في آيسلندا، نتج عنه سحابة رماد أبقت نصف الكرة الشمالي في الظلام لمدة 18 شهرا، فانخفضت درجات الحرارة لأدني مستوياتها، وفشلت المحاصيل، مما تسبب في مجاعة.
كان زلزال آيسلندا الأول فقط، فقد تبعته سلسلة انفجارات بركانية استمرت لعامين بائسين، حينئذ، قرر الطاعون الدبلي الاستفادة من ضعف سكان العالم بالفعل، فانتشر عبر الإمبراطورية الرومانية من مصر إلى أوروبا، وقضى على ما يصل إلى 50 مليون شخص، وظهر مرض غامض شبيه بشلل الأطفال، وأدى كل ذلك إلى انهيار الأنظمة الاقتصادية في العالم.