الثلاثاء 30 يونيو 2020 20:59 م بتوقيت القدس
على بعد أيام من التاريخ الذي أعلنه نتنياهو لضم، قضم، أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل يأتي هذا المقال ليحلل النقاش حول الضم "والاختلاف الاسرائيلي" حوله. هذا الضم هو ضم مناطق فلسطينية إضافية "للشرعية السياسية" لدولة اسمها اسرائيل، وهو بالضرورة ضم لجزء اخر من باقي "الوطن" الفلسطيني الذي احتل عام 67 للذي احتل عام 48 في "تجميع" للوحدات الجغرافية الفلسطينية في كيان واحد، في هذه الحالة تحت اسم اسرائيل وليس فلسطين. وأقصد بهذه الفكرة أن فكرة الضم تؤصل وتشير إلى أن فلسطين كوحدة جغرافية واحدة من النهر للبح، والتي ما عادت تطالب بها القيادة الفلسطينية في رام الله، باتت وحدة في طريقها للتحقق ولكن تحت السيادة الاسرائيلية في نكران لأي اعتراف بكيان فلسطيني ولو كان مجزوء ومبتور وفي أجزاء متفرقة قليلة من فلسطين التاريخية. وهو ما يجب أن يُدلل للقيادة الفلسطينية أن وحدة الأرض الفلسطينية الجغرافية هي محط أنظار الاسرائيليين وأن أي تنازل فلسطيني يقابله تغوّل اسرائيل ويستغل لخطوات أكثر عدوانية واحتلالية اسرائيلية مع انكفاء فلسطيني اّن له أن يتوقف.. بل ليكون هذا الضم فرصة لإعادة موضعة القضية الفلسطينية كياناً وشعباً وأرضاً في سياقٍ واحد مع استحالة وعدم واقعية الحلول الأخرى.
بالعودة لخطوة الضم فإن صراع السياسيين الاسرائيليين ليس على الضم من عدمه، بل على حدوده، توقيته، تأثيراته الأمنية وارتباطه السياسي بالساحة الدولية والاقليمية.
ولتفصيل أكثر، فإن حدود الضم التي يتصارع عليها نتنياهو وغانتس هي على المساحة الممكنة في هذه المرحلة، فهل يكون الضم لمجمل ال 30 % من أراضي الضفة الغربية التي قال بها ترامب أم جزءٍ منها، وهل الأغوار ستكون جزءاً من هذا الضم أم لا. وهنا أعتقد أن التوجه الاسرائيلي سيكون لتطبيق الضم على مراحل، وسيشمل بالبداية مناطق التي سيكون الصراع حولها أقل حدة وهي بالأساس للمجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، فيما سيكون هناك محاولة للجرأة وارضاء للمستوطنين بضم بعض المناطق الاستيطانية النائية في محاولة لتثبيت الضم عليها، أم الاحتمال الأخير هو أن يكون "إعلان ضم" لا يترجم لخطوات فورية على الأرض، خصوصاً في المناطق التي يقطنها فلسطينيون، في مجمل الأراضي المنوي ضمها.
في جزئية التوقيت، يبدو أن النقاش حول الجداول الزمنية ضمن الظروف الدولية والإقليمية وهو نقاش مهم، فالادارة الأمريكية تدعم المؤسسة الاسرائيلية، وقرب امريكا من انتخابات لا يمكن التنبؤ بنتائجها سيجبر الاسرائيليين على محاولة كسب وقت هذه الادارة في الحكم وتعجيل الضم على أن يكون ذلك ملائماً لظروف اقليمية ودولية أخرى. كما أن الضم والدعم الأمريكي له، يمكن أن يفيد ترامب في سعيه لكسب أصوات المسيحيين الانجيليين واللوبي الصهيوني في معركته للعودة للبيت الأبيض في تشرين ثاني نوفمبر القريب.
في سياق تأثيرات الضم الأمنية فيبدو أن النقاش السياسي الاسرائيلي يتمحور حول ذلك، إلى جانب البعد السياسي والعلاقات مع المجتمع الدولي، وهنا يرى غانتس أن تأثيرات الضم الأمنية على اسرائيل يمكن أن تكون سيئة بشكل من شأنه أن يثير يعض التحركات في الضفة الغربية التي من شأنها أن تعيد اسرائيل إلى مربع مجابهة مقاومة فلسطينية. ولكن لنكن واقعيين الوضع الفلسطيني في حالة ترهل والقيادة الفلسطينية في رام الله مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني جعلوا الفلسطينيين منغمسين في ال حياة اليومية وخاضعين للسلطة التي لا تريد أي عمل مقاوم خوفاً على مكانتها ووجودها السياسي "وشرعيتها" الدولية، مع أن خطوة الضم تقضي على مستقبل أي كيان فلسطيني على أساس حل الدولتين مما يجعل على السلطة الفلسطينية إعادة حساباتها في سياق الصراع مع اسرائيل ودورها "كوكيل" امني لها في الضفة الغربية ورمي مفاتيح هذه السلطة الوهمية وإعادة موضعة الصراع، وهذا تحدي مهم لها.. ولكن كما يبدو فإنه ليس بالسهل أن تتقدم وتشارك به!
أخيراً في سياق البعد السياسي والعلاقات الدولية فيبدو أن خطوة الضم تجعل غانتس ونتنياهو يفكرون مليّا في شكل الخطوة، مع التأكيد أن خلافهما حول الخطة ليس إلّا لما يراه كل منهما لمصلحة اسرائيل والمستقبل السياسي لكلٍ منهما مع موافقة كليهما على الضم من حيث المبدأ، بل حتى أن جانتس قال في تصريح قبل أيام أنه يرى الضم في سياق حوار لدفع خطة ترامب مع إيمانه بقيام "كيانين سياسيين" لجانب بعضهما البعض مع اقتصاد مشترك وتفوق أمني اسرائيلي واضح وسيطرة اسرائيلية بغور الاردن والقدس الموحدة والكتل الاستيطانية، من دون ترحيل للعرب او اليهود ومن دون اعطاء اراضِ للفلسطينيين في النقب (إلى هنا أقول غانتس) وكان نتنياهو هو الاخر التزم للمستوطنين بعدم الاعتراف بدولة فلسطينية. وبالتالي يمكن رؤية أن غانتس يميني بمواقفه كما نتنياهو بل وزيادة، وبالتالي معارضته أو قُل تحفظاته على خطوات نتنياهو ليس نابعة من ايدلوجية بل من تقديره لأمن اسرائيل ضمن واقع دولي وإقليمي وفلسطيني وكذلك وفقاً لحساباته ومستقبلة السياسي في سياق صراعه على السلطة في اسرائيل.
بالعودة للجانب السياسي والعلاقات الدولية، فإن المعارضة الأوربية والموقف الأردني هما عاملان مهمان في حسابات اسرائيل ويبدو أن غانتس يوليهما اهتماماً أكثير من نتنياهو الذي يعتمد بالأساس على الموقف الأمريكي الداعم والذي يُريد تثبيت خطوات على الأرض واستغلال خطة ترامب، ويحاول تهدئة الأسرة الدولية ولكن من دون خطوات جدية لأنه مؤمن أن ذلك الضغط الدولي سيكون مؤقتاً. فيما الموقف الأمريكي يبدو هو مُحرك لمواقف كليهما.
بالمحصلة، فإن الرؤية الأيدلوجية والسياسية للضم والتي يبدو أن الطيف السياسي الحاكم في اسرائيل مؤمن بها، بل ويدعمها بادعاءات دينية متجاوزة لأي قانون دولي وحق تاريخي وديني مناصر للفلسطينيين، ستكون وستحدثـ، وإن كانت على مراحل ما دام الموقف الأمريكي الداعم قائماً وهو سيكون حجر الزاوية فيها، وما دام الموقف الفلسطيني ضعيفاً ولا يشكل تحدياً واضحاً لاسرائيل وكذلك الأمر الموقف الاردني والدولية. بيد أن الواقع حتى الان يُظهر أن الفلسطينيين، وأقصد هنا القيادة الفلسطينية في رام الله، أسيرة لخطوات محدودة لخوفها على سلطة وهمية تُديرها، وقناعتها بحل الدولتين الذي يبدو أن الواقع على الأرض يُكذّبه وما كان ليكون الضم إلّا ليؤكد على وحدانية أرض فلسطين التاريخية فهم إن كان قضماً لسيادة وهمية فهو ضم لأرض واحدة ولكن بسيادة غريبة يجل أن تُجابه!