الثلاثاء 11 فبراير 2020 11:41 م بتوقيت القدس
كتب: مصطفى البرغوثي- الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
يحتاج تحليل ما سمي"ب صفقة القرن" إلى أكثر من مقال، ورغم أن هناك إجماع فلسطيني على أنها مشروع إسرائيلي مغلف بغلاف أميركي، ورغم أن عناصرها الرئيسية الموجهة لتصفية كل مكونات القضية الفلسطينية باتت معروفة، فإن تحليلها بدقة، ومهنية، مطلوب وضروري، لأنها تمثل الإستراتيجية الصهيونية المتكاملة فيما يتعلق بالتعامل مع الشعب الفلسطيني عموما، بما في ذلك مستقبل الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.
وما يهمني في هذا المقال، هو تبديد الكذبة الكبرى بأن مشروع صفقة القرن يتضمن قيام " دولة فلسطينية".
وبالقاء نظرة على الخريطة المنشورة للدولة الفلسطينية "المقترحة"، يستطيع الإنسان أن يدرك فورا أن المقصود ليس دولة، بل سلسلة من الجتيوهات والمعازل الصغيرة، المتصلة بجسور وأنفاق وطرق ستبقى تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي ويستطيع إغلاقها متى شاء، أي منظومة جيتوستانات وأبرتهايد أسوأ مما كان في جنوب إفريقيا.
ومن المهم ملاحظة أن صفقة القرن، تقرر من جانب واحد مساحة كيان الأبرتهايد المقترح وحدوده، ولن يكون ذلك قابلا للتفاوض لأن الصفقة تعطي لإسرائيل الحق الفوري في ثلاثة أمور:
1. تكريس ضم وتهويد القدس، التي تصر الصفقة على أنها العاصمة الموحدة لإسرائيل.
2. الضم الفوري لمنطقة الأغوار وشمالي البحر الميت أي حوالي 30% من مساحة الضفة.
3. ضم المستوطنات الإسرائيلية ومحيطها، مما يعني أن إسرائيل ستضم أكثر من نصف الضفة الغربية.
وفي حين يحق لإسرائيل المباشرة بالضم فور الإنتهاء من الإنتخابات الإسرائيلية في آذار القادم، فإن على الفلسطينيين أن يخضعوا لفترة اختبار مدتها أربع سنوات، يجري خلالها إمتحانهم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وهما الطرفان الوحيدان المخولان بتقرير إن كان الفلسطينيون نجحوا في الإمتحان أم رسبوا.
و لن ينجح الفلسطينيون في الإمتحان إلا إذا نفذوا خمسة وثلاثين شرطا احصيتها في بنود الصفقة، ولن أرهق القارىء بتعدادها جميعا، ولكن سأذكر بعض هذه الشروط:
1. الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل وبالتالي التنازل النهائي عن الحقوق الفلسطينية التاريخية، والوطنية، والدينية فيها.
2. التنازل النهائي عن حق اللاجئين في العودة.
3. التنازل عن كل مكون من عناصرالسيادة في الضفة والقطاع.
4. القبول بضم الأغوار، وشمال البحر الميت، وجميع المستوطنات لإسرائيل.
5. نزع سلاح حماس والجهاد وباقي المنظمات الفلسطينية.
6. سيطرة السلطة أو أي جسم محلي، أو خارجي، على قطاع عزة، وضمان نزع السلاح فيه، وفي كل أنحاء الضفة الغربية، أي الموافقة على التورط في حرب أهلية فلسطينية.
7. التنازل عن السيطرة على المياه، والحدود، والمصادر الطبيعية.
8. القبول بسيطرة إسرائيلية مطلقة على الحدود، والمعابر، والمجال الجوي، والمجال الكهرومغناطيسي، وما تحت الأرض، في كل ما هو واقع غرب نهر الأردن بما في ذلك كل الضفة والقطاع.
9. القبول بالسيطرة الأمنية الإسرائيلية المطلقة على كل المناطق الفلسطينية، بما في ذلك حق الجيش الإسرائيلي الدائم في إقتحام المناطق الفلسطينية.
10. إلغاء مخصصات عائلات الشهداء والأسرى.
11. إلغاء المناهج الدراسية الحالية وتكييفها بحيث تشيد بالتعايش مع نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.
ولن أطيل عليكم أكثر، علما بأن هناك أربعة وعشرون شرطا إضافيا لم أذكرها.
إسرائيل وإدارة ترمب تعرفان أنه لا يوجد خائن فلسطيني يقبل بهذه الشروط، وبالتالي تعرفان أن كلمة "دولة" هي خدعة صيغت لتبرير تطبيع المتواطئين من العرب والإقليم، ولتخدير المتخاذلين عن حماية القانون والشرعية الدولية في المجتمع الدولي، ولتكرار لعبة كسب الوقت التي إستخدمت في اتفاقيات أوسلو، بإعتبار أن إسرائيل تستطيع أن تعلن بعد 4 سنوات، أنه بسبب رفض الفلسطينين للصفقة، أو بسبب رسوبهم في الإمتحان إن قبلوها، أنها ستضم كل الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تبدأ بالحديث عن حقوق إسرائيل في شرق الأردن، استنادا إلى ما ورد في معاهدة فرساي التي أشار لها نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس" بإعتبار أن الوطن القومي لليهود، حسب معاهدة فرساي، يضم ضفتي نهرالأردن الشرقية و الغربية.
عندما نتحدث عن مرحلية السنوات الأربع نستذكر حقا ما قاله الفلاسفة، بأن التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة ( إتفاق أوسلو)، ومرة على شكل مهزلة ( صفقة القرن).
ولحديثنا بقية.