رفضت ثلاث عائلات مقدسية أن تكون أرضها لقمة سهلة للاحتلال الذي دأب على الاستيلاء على عقارات المقدسيين وأراضيهم بحيل قانونية، فتعاضدت عائلات عويس وحمد وعطا الله وقررت مواجهة تلك الحيل بلغة القانون وبأوراق ملكيتها لأرض “سوق الجمعة” التي تعود إلى أكثر من مئة عام.
تقع أرض السوق أو “الخندق” بجوار الزاوية الشمالية الشرقية من سور القدس بمساحة دونم ومئتي متر (1200 متر مربع) في بداية الطريق الحيوي الواصل بين شارع هارون الرشيد وباب الأسباط.
وكانت تستخدم سوقا للمواشي أيام الجمعة منذ العهد الأردني وحتى أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كما استخدمتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) نقطة لتوزيع المساعدات، لكن بلدية الاحتلال حولتها إلى مكب للنفايات رغم قربها من المقبرة اليوسفية الإسلامية.
وقديما، استخدمت الأرض بيدرا للقمح تجمع فيه أكوام الحبوب أيام الحصاد تمهيدا لدرسها، كما عرفت بـ”أرض الخندق” لاحتوائها على خندق وبئر في آخرها.
محاولات الاستيلاء
ونيابة عن عائلة حمد أوضح حمد إبراهيم حمد (39 عاما) في حديث معه أن البلديات والسلطات المتعاقبة على القدس استأجرت الأرض من عائلته وعائلتي عويس وعطا الله بثمن زهيد سنويا.
وكان ذلك بدءا من العهد العثماني، مرورا بالاحتلال البريطاني والحكم الأردني ووصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي وضع يده على الأرض وفرض نفسه كمستأجر محمي، وأجبر العائلات على تنظيم عقود إيجار مع بلدية القدس.
استمرت عقود إيجار الأرض دون أن تتمكن العائلات من إيقافها، لكنها نجحت في رفع قيمة الإيجار عامي 2013 و2015.
وفي خطوة أحادية الجانب، أوقفت بلدية الاحتلال عام 2018 استخدام الأرض مكبا للنفايات، وتوقفت عن دفع الإيجار، منكرة ملكية العائلات.
وشرعت بالشراكة مع سلطة تطوير القدس “هارلي” وسلطة الحدائق الوطنية في أعمال حفر وبناء بالأرض، وتبين لاحقا أن الاحتلال ينوي الاستيلاء عليها بشكل تام وتحويلها إلى متنزه ومسرح ومدرج.
إنجازات قضائية
وردا على هذه الخطوة، توجهت العائلات إلى محكمة الصلح في القدس وانتزعت اعترافا من بلدية الاحتلال بأنها خرجت من الأرض وسلمتها لسلطتي الحدائق الوطنية وتطوير القدس، أي أنها فقدت الحق فيها وفق قانون “حماية المستأجر”.
وقال محامي العائلات سامي إرشيد إنه بادر بخطوة قضائية ثانية لوقف أعمال الحفر والبناء أسفرت عن إصدار محكمة الصلح في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أمرا مؤقتا بمنع سلطتي تطوير القدس والحدائق الوطنية أو من ينوب عنهما من الدخول أو القيام بأعمال حفر أو بناء في الأرض إلى أن يتم البت في القضية الأساسية.
وأكد إرشيد أن إجراءات المنع هي إجراءات أولية تزامنت مع تقديم دعوى أساسية لتثبيت ملكية العائلات المقدسية ومنع الاحتلال من الاستيلاء عليها.
من جهته، قال ممثل عائلة عويس خلدون صبري عويس (47 عاما) في حديث معه إن الاحتلال ينكر حقهم في الأرض بحجة وجود خريطة ترجع إلى عام 1944 تظهر فيها أرض الجمعة وقد كتب فوقها أنها “ملك لحكومة فلسطين”، زاعما أنها ملك عام وليس خاصا.
وأضاف عويس “نحن مضطرون للتعامل مع محاكم الاحتلال كي لا نخسر حقنا في الأرض، شو اللي جابرك على المر غير اللي أمر منه؟”.
أهمية الأرض
تكمن أهمية الأرض في قربها الشديد من سور القدس الأثري واحتضانها نصب الجندي الأردني المجهول وجزءا من المقبرة اليوسفية، بالإضافة إلى كونها طريقا واصلا إلى المسجد الأقصى من جهة باب الأسباط.
وتطمع بلدية الاحتلال في تحويلها إلى حديقة توراتية استكمالا لمخطط مشروع الحدائق التوراتية حول سور القدس، والذي انطلق من باب الخليل مرورا بحائط البراق، حيث تستخدم الحدائق متنزها ومناطق لمهرجانات وأنشطة تهويدية.
ويواظب عويس وحمد وعطا الله على زيارة أرض آبائهم، ممسكين أوراقهم الثبوتية المتجذرة في التاريخ.
ويقول عويس “أصطحب أولادي إلى الأرض وأضعهم في تطوراتها كما أوصاني أبي، نطمح حين نستردها لأن نستثمرها ونحيي فيها فكرة سوق الجمعة أو نجعلها مجمعا للحرفيين والصناعات الوطنية”.
أما حمد فيرى أن “قضايا الأراضي لا تنتهي بسرعة، يجب أن نمتلك نفسا طويلا، نحن في مواجهة حكومة كاملة ولا نتوقع طريقا سهلا، لكننا نتأمل في تحقيق إنجاز كبير والحفاظ على ملكيتنا في الأرض وإبقائها عربية فلسطينية”.