السبت 05 اكتوبر 2019 21:52 م بتوقيت القدس
شارك المئات من الدعاة وأئمة المساجد ورجال الإصلاح والقيادات المجتمعية، من الرجال والنساء، اليوم السبت، في المؤتمر الطارئ الذي دعا إليه المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني، في أعقاب استفحال العنف والجريمة في الداخل الفلسطيني، وعقد المؤتمر في قاعة المدرسة الأهلية بمدينة أم الفحم.
استهل المؤتمر بتلاوة آيات من القرآن الكريم، للشيخ عرسان حجاجرة، وتولى عرافة فقراته، الشيخ عبد الرحمن أبو الهيجاء.
رحب أبو الهيجاء بالحضور وشكرهم على تلبية الدعوة التي تعكس حرص الحضور على حمل هم شعبنا وقضاياه. وقال إن استفحال العنف وفوضى السلاح فتكت بمجتمعنا حتى أصبح الحليم حيرانا، وهو ما استدعى الاستنفار والتداعي لعقد المؤتمر، من أجل بحث سبل الخروج من الأزمة التي تعصف بداخلنا الفلسطيني.
الإيمان في مواجهة الظلام والإجرام
وكانت الكلمة الأولى لبلدية أم الفحم، البلد المضيف، ألقاها المهندس زكي محمد اغبارية، نيابة عن رئيس بلدية أم الفحم الدكتور سمير صبحي. وقال اغبارية بعد تحية الحضور: “نثمن هذه المبادرة التي تضاف إلى جهود أخرى في الداخل الفلسطيني ممثلة بفعاليات لجنة المتابعة والسلطات المحلية لمواجهة العنف، مهم جدا أن نعزز دور المسجد في هذه المرحلة، هذا الدور الذي كان له أعظم الأثر دائما في تاريخنا الفلسطيني”.
وأضاف: “نشد على أياديكم ونرجو أن يكون هذا المؤتمر شعلة من أجل إزالة الغمّة عن مجتمعنا”.
تعزيز دور المسجد ومكانه رجال الإصلاح
ثم كانت كلمة رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني، الدكتور مشهور فواز، مرحبا بالحضور، وأكد أن مشاركة هذا الجمع من الأئمة والدعاة يهدف إلى تعزيز دور المساجد التي كانت وما زالت الحضن الأساس والركن الركين الذي ينشر القيم والمحبة.
وأشار إلى أن من أهداف المؤتمر “تبيان دور الإمام الفاعل في نشر قيم المحبة وتوضيح حرمة دم الإنسان من خلال وسائل الدعوة المتجددة، كما يهدف إلى تبيان خطاب المرحلة ونوعية هذا الخطاب بما ينسجم مع الأحداث وضرورة الواقع إلى جانب تعزيز مكانة رجال الإصلاح والبحث عن حلول للفصل في الخصومات”.
وأوضح الدكتور مشهور أن “مجتمعاتنا ستبقى في حالة فوضى ما دام أهل العلم والرموز الدينية لا يقودون المجتمع، لذلك لا بد من الحفاظ على الرموز الدينية والحفاظ على هيبتها استنادا لقوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”.
ودعا رئيس المجلس الإسلامي إلى ضرورة الخروج بخطوات عملية جادة لعلاج الجريمة على المدى القريب، وشدّد على “يجب ألا نيأس وسنستمر بمواجهة الجريمة ومن يقف وراءها”.
واستدرك الدكتور مشهور فواز في الختام: “لا نقول إننا سنقضي من خلال المؤتمر على العنف، ولكن اجتماعنا اليوم هو لقاء تأسيسي تشاوري حتى نخرج بخطوات عملية، وحتى لو كانت هناك فكرة واحدة نقوم بترجتمها عمليا من أجل أن نحد من هذه الظاهرة”.
الحاجة إلى شخصيات مؤثرة مثل الشيخ رائد صلاح
ثم ألقى الشيخ ياسر أبو غزالة، خبير الإصلاح ومدير الوعظ والإرشاد في دائرة الأوقاف- القدس، محاضرة ساق في مستهلها الشواهد من القرآن الكريم والسنة المطهّرة التي تبيّن عظمة حرمة الدم المسلم، مؤكدا أن الله تعالى ساوى بينها وبين الشرك به.
وفي الجزء الآخر من محاضرته، أكد أبو غزالة أنه “من أجل مكافحة الجريمة لا بد من وجود الخيّرين من كل الأطياف، المربي والمعلم والمؤسسة والمدرسة والمسجد وغيرهم، لا بد من وجود فئة المصلحين التي تتنادى إلى الخير وفعله، كما تداعى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله إلى حلف الفضول، زمن الجاهلية، حقنا للدماء”.
وزاد أبو غزالة في التأكيد على دور الدعاة وأئمة المساجد، وقال: “يمكنهم من خلال الدروس في المساجد والخطب والملتقيات التي يلتقون فيها مع الناس في المناسبات المختلفة، القيام بدور مؤثر في التوعية ضد العنف والجريمة”.
كما دعا إلى تعزيز دور مراكز الإرشاد ونوادي الترفيه المنتشرة في المجتمع العربي، لتكون بدورها رافعة في مواجهة العنف.
ولفت أبو غزالة إلى ضرورة تشكيل لجان مبرمجة هدفها التوعية والانتظام والتنظيم لتقف بوجه الجريمة من خلال آليات علمية وعملية وتبيان أسبابها ومسبباتها، والتوعية إلى استهداف المستعمر لمجتمعنا من خلال بث الفوضى وتشجيع أشكال العنف والإجرام.
وشدّد على قيمة الاستمرارية في طرق موضوع العنف والحديث عنه والتحذير من شروره، عبر ورشات تعقد في كافة المواقع مثل المساجد والمدارس وزيارة الناس في بيوتهم.
وفي نهاية محاضرته، دعا خبير الإصلاح والتحكيم الشيخ ياسر أبو غزالة، إلى “إيجاد شخصيات فاعلة ومؤثرة داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، علينا أن نخلق ونبني هذه النماذج، وهنا استذكر دور ومواقف أخي الشيخ رائد صلاح، الذي غيّب عن المسرح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الداخل الفلسطيني كما غيّب عن الأقصى، وعلينا أن نعترف أن تغييب الشيخ رائد أحدث فراغا على صعيد الداخل الفلسطيني والقدس المحتلة وفي بلده أم النور، لذلك يجب أن نستفيد من دوره ودروسه ومنهجه من أجل إيجاد شخصيات فاعلة تقوم لسد الفراغ، ما احترامي طبعا لكافة الشخصيات والجهود الأخرى”.
الظرف الاستثنائي بحاجة إلى قرارات استثنائية
المداخلة التالية في المؤتمر كانت للدكتور أحمد ناطور، رئيس محكمة الاستئناف الشرعية سابقاً، شكر المجلس الإسلامي للإفتاء ورئيسه على المبادرة لعقد المؤتمر وخاطب الأئمة والدعاة الحضور قائلا: “أنتم قادة هذا الشعب، أنتم من يشكّل الرأي العام وفي أعنقاكم أمانة إيصال كلام الله لعباده”.
وبيّن ناطور رفضه للدعوات التي تطالب الشرطة بتعزيز وجودها في البلدات العربية بدعوة محاربة العنف، وحذر من هذه الدعوات قائلا: “هل نعي فعلا مخاطر هذه الفكرة؟ وما يترتب عليها في حال دخلت الشرطة كل بيت وفي جلودنا بحجة البحث عن السلاح والمجرمين؟ الشرطة كما تعرفون تعمل مع المخابرات فهل نعلم ماذا يعني أن يدخلوا ويستبيحوا حرمات البيوت!؟ أنا أكره أن أراهم أمام بيتي وفي بلدتي وفي الطريق”.
وقال إن الحالات الأجرامية المنتشرة في مجتمعنا والتي تروّع الناس وتقتل، تحارب الله ورسوله.
وفي توصيفه لهذه الحالات أضاف: “نحن لا نتحدث عن ساقط هنا أو هناك، بل هي منظمات إجرامية تشغّل الجنود وتدفع لهم الأموال، نحن أمام منظمات تقوم بجباية الديون والقروض بما يسمى السوق السوداء”.
واتهم أحمد ناطور الجهاز القضائي الإسرائيلية بالمسؤولية عن العنف والجريمة، منوّها إلى “نحن أمام وضع اقتصادي وجنائي خطير جدا في ظل غياب السلطة المركزية، انظروا ماذا يحدث اذا وقعت خصومة بين طرفين، يتم اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية، فماذا يحدث هناك، تستمر الخصومة لسنوات حتى كما يقال: يموت القاضي أو يموت المدّعي أو يموت المدّعي عليه، ولكن الخصومة لا تموت، وهذا يدل على وجود عجر كبير جدا في الجهاز القضائي، وتشريعات جائرة مثل “محو الديون” عن المدينين، فما الذي يحدث بعد ذلك؟ يضطر الناس البسطاء بعد أن يفشلون في تحصيل حقوقهم عبر القضاء إلى التوجه للمنظمات الإجرامية، مكرهين”.
ودعا إلى إقامة مؤسسة للقروض تتفق وضوابط الشريعة، تعمل على مساعدة المحتاجين من أجل إغلاق الباب على منظمات السوق السوداء، كما دعا إلى إقامة مؤسسة قضائية شرعية يمكن من خلالها الاستغناء في التقاضي ببعض الأمور عن المحاكم الإسرائيلية، كما يحدث في مجتمع “الحرديم” باحتكامهم إلى أحكام التوراة، في كثير من المسائل.
وأشار الدكتور أحمد ناطور إلى أن يمكن أن تستند المؤسسة القضائية البديلة في أحكامها إلى مجلة الأحكام العدلية التي أعدّتها الدولة العثمانية.
في نهاية محاضرته طالب ناطور أن يتخذ المؤتمر قرارات عملية تنفيذية، داعيا على سبيل المثال إلى مقاطعة المجرمين مقاطعة تامة من قبل المجتمع، وقال “الظرف الاستثنائي الذي نعيشه بحاجة إلى قرارات استثنائية تكون مضبوطة شرعيا”.
وازع القرآن في ظل غياب وتآمر وازع السلطان
الكلمة الختامية في المؤتمر كانت للشيخ كمال خطيب، رئيس لجنة الحريات في الداخل الفلسطيني وإمام مسجد “عمر بن الخطاب” في كفر كنا، وحيا في بدايتها الحضور، مشيرا إلى ضرورة اعتبار المؤتمر تعبير عن حالة غضب تنتابنا جميعا للبحث في سبل الحد من ظاهرة الانحدار والتردي التي نعيشها، كما قال.
مذكرا بجملة مشهورة لأمير المؤمنين عثمان بن عفان وقوله “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزعم بالقرآن”، أكد الشيخ كمال خطيب أن المؤسسة الإسرائيلية وشرطتها لا يمكن أن تكون سلطانا يحمينا من العنف والجريمة، مضيفا “إن سيف هذا السلطان الإسرائيلي مسلط علينا وعلى رقابنا” موضحا أن المؤسسة الإسرائيلية بعد هبة القدس والأقصى عام 2000، وبعد أن رأت انتصار شعبنا لقضاياه وفي مقدمتها القدس والأقصى عملت على تفتيتنا من الداخل عبر اغراق المجتمع بالسلاح، وأشار إلى اعتراف وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان بأن 70% من السلاح المنتشر في البلدات العربية مصدره مخازن الجيش الإسرائيلي، وما تبقى جاء من الضفة من شخصيات فلسطينية تتربح ولو على حساب أبناء شعبها في الداخل.
وتطرق الشيخ كمال إلى ما وصفه بـ “التناقض غير الطبيعي” الذي نحياه في ظل تعقيدات الواقع الإسرائيلي وقال: “من جهة نعلم جميعنا ان الشرطة مسؤولية عن الجريمة والعنف وشريكة بها ومن جهة أخرى نطلب منها أن تحمينا، وأنا مثل كل الناس أعيش هذا التناقض، نحن فعلا كالمستجير من الرمضاء بالنار”.
وتابع قائلا: “لذلك في ظل حالة التردي الإيماني والأخلاقي يبقى وازع الدين والضمير والإحساس برقابة الله تعالى، كل ذلك ممكن أن يقوي فينا عناصر المناعة ضد الاجرام واستخدام السلاح”.
وقال إن “تعزيز الرادع الديني في نفوسنا هو مسؤولية الجميع وفي مقدمتهم إمام المسجد، كلنا علينا أدوار وهذه الأدوار يمكن أن تلتقي من أجل جهود موحدة”.
واعتبر أن حظر الحركة الإسلامية كان بسبب دورها في الوقوف أمام تيار الإفساد الجارف، خاصة أنها سدّت في كثير من المجالات الفراغ الذي يؤدي اليوم إلى انتشار العنف والجريمة من ذلك: دور مؤسسة إعمار في إعطاء القروض الصغيرة ودور مؤسسة لجنة الزكاة القطرية بهذا الخصوص وإطلاقها شعار “أبناؤنا في خطر” إلى جانب شعار “الأقصى في خطر” وإطلاق العديد من المشاريع الداعمة للأمن الأسرى والمجتمعي.
وذكر الشيخ كمال مجددا، بالدور المنوط بالإمام والمنبر وقال: “اليوم بدأوا يلاحقون أئمة المساجد الذين يتحدثون بكلمة الحق، يحاولون تحييد المسجد، ولكن هذا لا يعني أبدا أن نستكين، صحيح نحن مع المظاهرات والضغط الشعبي ولكن حالة “الهيزعة” مع احترامي للسياسيين وأعضاء الكنيست، هذه الحالة يجب أن تجعلنا نحيد أنفسنا ودورنا، لذلك أقول، دون تشكيك بالنوايا الصادقة لأعضاء الكنيست إن منبر المسجد أطهر من منبر الكنيست للحديث عن الحق، إيها الإمام لا تترك المجال لغيرك ليقوم بدورك في نصرة الحق في وجه الظالمين”.
وفي ختام كلمته قال الشيخ كمال خطيب: “لا يظنّن أحد وأمام هذا الواقع أن يتسلل الشعور باليأس إلينا ومن مجتمعنا، الخيّرون في مجتمعنا أكثر بكثير من الأشرار، صحيح هناك أشرار وهم أقلية هامشية جدا، ولكنهم أولادنا، أبناء شعبنا، وأولاد بلدنا وعائلاتنا، ويجب أن يكون شغلنا الشاغل كدعاة وأئمة أن نصل إليهم ويكن أن نصل ويمكن أن نؤدي دورا مهما في ابعادهم عن طريق الانحلال والجريمة”.