تمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاهمال الطبي بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، ضاربة بعرض الحائط كل الأعراف الدولية والقوانين التي تكفل للأسرى حق العلاج.
ويعاني مئات الأسرى من أمراض خطيرة، فضلا عن حاجة آخرين لعمليات جراحية عاجلة، وسط حالة من الإهمال تمارسها السلطات، أدت إلى استشهاد أكثر من 200 أسير على مدار السنوات الماضية.
وفيما يكون أمل عائلة كل معتقل، أن يتنسم عبير الحرية، ويعود لها سالما،فإن كل ما تتمناه عائلتا المعتقلين الفلسطينيين سامي أبو دياك وبسام السايح، أن لا تتسلماهما جثتين، بعدما وصلت حالتهما الصحية لدرجة عالية من الخطورة، واجتمع عليهما السجان ومرض السرطان.
“أخشى أن لا يفرج عنه إلا شهيدا”، قال عاهد أبو دياك، والد المعتقل سامي، بعدما أتى على ذكر أنواع الأمراض التي يعاني منها نجله، ولم يقو بسببها على أية حركة، بعد أن جرى نقله إلى مستشفى إسرائيلي إثر تدهور كبير طرأ على صحته.
ويعتبر سامي أبو دياك (35 عاما) من بلدة سيلة الظهر، جنوبي جنين، شمال الضفة الغربية، من أخطر الحالات المرضية في السجون الإسرائيلية، وهو يعاني من كتلة سرطانية في الأمعاء، منذ نحو 4 أعوام.
في عام 2015، بدأت معاناة أبو دياك مع المرض، حين شكا من ألم في البطن أثناء وجوده في معتقل ريمون، ليتم نقله الى مستشفى أساف هروفيه الإسرائيلي، ويتبين وجود كتلة سرطانية في الأمعاء، ويتم استئصال 30 سم منها، وفق تقرير لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان.
ويوضح التقرير أن أبو دياك يعاني أيضا من كتلة سرطانية أخرى في أعلى بطنه، وأن معاناته وأوجاعه تجعله لا يستطيع النوم أو الأكل بشكل طبيعي، ولا يقوى على الحركة إلا على كرسي متحرك، ويحتاج لرعاية خاصة ومستمرة لممارسة حياته اليومية.
يقول والده:” حاولنا كل الوسائل، وطرقنا كل الأبواب للإفراج عن سامي، لكن لا جدوى، فالاحتلال يواصل الرفض”.
ويتابع: “أخشى أن أتسلم سامي جثة هامدة، فوضعه الصحي حرج جدا، والمرض يفتك به”.
ويضيف: “كان عمر سامي 18 عاما عندما تم اعتقاله، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، بتهمة تنفيذ عمليات مسلحة ضد الجيش والمستوطنين، ونشاطه في ملاحقة متعاونين مع الاحتلال”.
الخشية من فقدانه لنجله، تبرز في حديث الوالد أبو دياك عن الغرفة التي اعتقل فيها نجله، قبل نقله مؤخرا للمشفى، موضحا أن “العديد من شهداء الحركة الأسيرة أقاموا في نفس الغرفة، مثل الشهيد ميسرة أبو حمدية من مدينة الخليل”.
وتوفي أبو حمدية (64 عاما) في الثاني من إبريل/ نيسان 2013، في قسم العناية المركزة بمستشفى “سوروكا” بمدينة بئر السبع، ويحمل رتبه لواء متقاعد، واعتقل عدة مرات لدى السلطات الإسرائيلية التي أبعدته في العام 1978 إلى الأردن، وعاد إلى الضفة الغربية في العام 1998، واعتقل في العام 2002 وحُكم عليه بالسجن المؤبد لاتهامه بالقيام بـ”أنشطة ضد إسرائيل ضمن صفوف المقاومة”.
وعقب وفاته اتهمت مراكز حقوقية إسرائيل بالضلوع في قتله، عبر إهمالها علاجه من مرض السرطان الذي تم اكتشاف إصابته به قبل وفاته بعدة أشهر.
ذات مشاعر القلق والخوف، تسيطر على عائلة المعتقل المريض بسام السايح، من مدينة نابلس، والذي يواجه أيضا الإصابة بمرض السرطان، إلى جانب تضخم في الكبد، وضعف في عضلة القلب، ويرقد في مستشفى الرملة لتلقي العلاج.
ويعاني “السايح”، من أمراض سرطان العظام، وسرطان نخاع الدم الحاد بمراحله المتقدمة، وقصور في عضلة القلب يصل إلى 80%، والتهاب حاد ومزمن بالرئتين، ومشاكل صحية أخرى.
واعتقل الجيش الإسرائيلي “بسام السايح” في 8 أكتوبر/ تشرين أول 2015، خلال ذهابه لحضور إحدى جلسات محاكمة زوجته، التي كانت معتقلة في حينها، ووجهت له تهمة “الضلوع في عملية قتل ضابط إسرائيلي وزوجته”، قرب قرية بيت فوريك شرقي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، قبل أيام من اعتقاله.
وقال خلدون السايح، شقيق المعتقل بسام، إنه “برغم حالة شقيقه الصحية الخطيرة، فإن ذلك يقابل بعدم اكتراث إدارة سجون الاحتلال لحالته، وكأنها تتمنى وفاته”.
وأردف: “في مستشفى الرملة كان مقيدا بقيود حديدية في يديه ورجليه، ما أدى لحدوث جروح فيهما”.
وبيّن أن “المرض يفتك بالمعتقل بسام يوما بعد آخر، حتى إن عضلة القلب كانت تعمل بنسبة 40%، لكنها تراجعت إلى 25% فقط”.
ويوضح السايح أن بسام (46 عاما) اعتقل مرتين في السابق، وأمضى 18 شهرا في الاعتقال الإداري عام 2002، بينما شقيقه “محمد أمجد” السايح معتقل منذ 17 عاما، ومحكوم بالسجن 20 عاما، وهو مصاب برصاصة في صدره.
وأضاف: “نناشد أي إنسان حول العالم، للتدخل من أجل الإفراج المبكر عن بسام، لسوء وضعه الصحي.. بسام لا يريد شيئا سوى الموت في حضن عائلته”.
ويبدو أن حالة القلق التي تخيم على عائلتي السايح وأبو دياك، تجاه حياة نجليهما المعتقلَيْن، تعززها حالات سابقة وصل فيها المرض إلى أخطر مستوياته مع معتقلين فلسطينيين، لكن ذلك لم يشفع لهم لدى إدارة السجون الإسرائيلية التي أبقت على اعتقالهم حتى وافتهم المنية.
وقالت أماني سراحنة، مسؤولة الاعلام في نادي الأسير، إن هناك تخوفات أخرى تتعلق باحتجاز جثمان الأسير بعد استشهاده، كما حصل في حالات عديدة سابقة.
وأضافت سراحنة:” الأسير الشهيد عزيز عويسات مثلا تعرض لتعذيب ومخاطر صحية كبيرة، قبل أن توافيه المنية، دون اكتراث لوضعه الصحي الحرج”.
وتابعت: “منذ أكثر من عام على استشهاده لا يزال جثمانه محتجزا في ثلاجات الاحتلال”.
وفي 19 مايو/ أيار 2018، أعلن نادي الأسير الفلسطيني استشهاد الأسير المقدسي عزيز عويسات، بعد أن أُصيب بجلطة في معتقل “عيادة الرملة”، ونقل على إثرها إلى مستشفى “أساف هروفيه” الإسرائيلي حيث استشهد.
و”عويسات” تم اعتقاله في مارس/ آذار 2014، وحكم عليه بالسجن 30 عامًا، وأصيب بنزيف حاد وجلطة قلبية جراء الاعتداء عليه في أحد السجون الإسرائيلية، حتى أصيب بغيبوبة وتدهورت حالته الصحية وتوفي بالمستشفى.
وارتفع عدد المعتقلين الذين توفوا داخل السجون إلى 216 شهيداً منذ العام 1967، وفقا لنادي الأسير (غير حكومي ويعنى بمتابعة شؤون المعتقلين في سجون إسرائيل).
ووفق إحصائيات رسمية صدرت عن هيئة شؤون الأسرى (تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية) فقد وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين إلى 5700 معتقل بينهم 230 طفلا و48 معتقلة و500 معتقل إداري (وهؤلاء معتقلون بلا تهمة) و1800 مريض بينهم 700 بحاجة لتدخل طبي عاجل.