بعد مرور نحو عامين ونصف على بدء تنفيذ الإدارة الأمريكية لرؤيتها الجديدة للتسوية في الشرق الأوسط المُسماة "صفقة القرن"، تزداد الشكوك حول نجاح تنفيذها في ظل الموقف الفلسطيني الصارم والرافض لها، فضلا عن دور روسي لإحباط تنفيذها لأهداف مختلفة.
الموقف الفلسطيني المُعلن ضد الصفقة منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لـ "إسرائيل" يحظى بإجماع فلسطيني وتأييد شعبي عربي وإسلامي وبعض الأنظمة الرسمية، ويلتقي معه الموقف الروسي المؤيد لحل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية، ورفض الحلول الأمريكية أحادية الجانب.
ويبدو أن صراع القطبين العالميين يُلقي بظلاله على الصفقة الأمريكية، فما بين محاولة واشنطن فرضها على الشرق الأوسط بمشاركة أوروبية وأطراف عربية نافذة، وما بين المحاولات الروسية لتعكير أجوائها أو ربما عرقلة تنفيذها، تتوالى الضربات المختلفة على صفقة "المستثمر الأمريكي" مُقللة من أسهم فوزها وربحها في السوق الشرق أوسطي بينما يصل تأثير هذا الضرب على رأس العقل المدبر في الولايات المتحدة.
مزاعم إسرائيلية ورد روسي
الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في إبريل الماضي بعد أقل من عام ونصف على "إعلان ترامب"، كانت العثرة الأولى في طريق تنفيذ الصفقة الأمريكية، حيث جاءت نتائجها بما لا تشتهي أنفس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمجتمع الدولي الذين كانوا يؤيدون احتفاظ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بكرسي الحكم في "إسرائيل".
سبق تلك الانتخابات تدخل "اليد الروسية" في الساحة الإسرائيلية لإفشال رغبة ترامب والمجتمع الدولي، وقد انطلق صوت التحذير في "إسرائيل" من هذه اليد على لسان رئيس جهاز "الشاباك" ناداف أرغمان، الذي عبّر عن تخوفات أجهزة الأمن من "تدخلات خارجية" قد تؤثر على نتائج انتخابات "الكنيست".
وأطلق أرغمان في يناير الماضي قبل حوالي 3 أشهر من الانتخابات، تصريحات سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشرها، في رسالة للدب الروسي أن "العين قد رصدتك"، فقال: "إن دولة أجنبية تنوي التدخل في الانتخابات.. أعرف تماما عن ماذا أتحدث".
الرد الروسي على المزاعم الإسرائيلية، جاء في بيان للمتحدث باسم الرئاسة الروسية حينها، أكد فيه النفي والجزم بأن بلاده "لم ولا ولن تتدخل في أي انتخابات في أي دولة في العالم"، وإن صدّقت "إسرائيل" ذلك، فإن سابقة روسيا في الانتخابات الأمريكية لا تدعو للتصديق الكامل برد "الكرملين".
ورغم عدم حديث "إسرائيل" عن نجاح أو فشل "الدولة المجهولة" بالتدخل في نتائج الانتخابات قبل أو أثناء حدوثها، لكن ثمة مؤشرات أعقبت الانتخابات تؤكد وفق مراقبين، استخدام "روسيا" لإحدى أدواتها في "إسرائيل" أفضت الى إعادة الانتخابات في سبتمبر المقبل.
رجل روسيا في (إسرائيل)
"أفيغدور ليبرمان"، رجل موسكو وورقتها التي نجحت في إفشال رغبة ترامب، وضع شروطا أمام نتنياهو لم يستوعب الأخير قبولها، فكانت النتيجة حل الكنيست وإعلان نتنياهو فشل تشكيل الحكومة موجها كيلا من الاتهامات لليبرمان الذي تعدت شروطه حدود قانون الحريديم وطريقة التعامل مع غزة، الى ما هو أبعد من ذلك، تصل الى حد "عصا بوتين لضرب يد ترامب".
الكاتب والمحلل السياسي في بيروت يونس عودة، يُفسر ذلك بالقول، "إن الموقف الروسي من صفقة القرن كان واضحا بالرفض والتأكيد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية"، مضيفا "أن بوتين لديه موقف حازم من اللعب الأمريكي في المنطقة العربية والتصرف وكأنها الوحيدة القادرة على اللعب دون إشراك روسيا".
وأوضح عودة في حديث خاص لوكالة "شهاب"، أن بوتين يتعامل مع الصفقة الأمريكية ضمن استراتيجية واضحة لها أهداف متعددة لا يمكن الجزم بواحدة منها دون أخرى، وتكتيكات على الطريق، كان منها استخدام ليبرمان – المولود في مولدوفا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي – لإفشال نتنياهو في تشكيل الحكومته، الأمر الذي يُلقي بتداعياته السلبية على الصفقة الأمريكية.
وكشفت الإدارة الأمريكية عن مواعيد مختلفة للإعلان عن "صفقة القرن" ثم ربطت إعلانها لما بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية في مايو الماضي ولم تتشكل، ومؤخرا اعترف ترامب في قمة العشرين باليابان "أن إعلان صفقة القرن تأخر بسبب عدم تشكيل الحكومة الإسرائيلية"، وفق قوله.
وتتعدد الأهداف الروسية من التأثير سلبا على صفقة القرن، ويرى عودة "أن الموقف الروسي الدائم من القضية الفلسطينية والمتمسك بحلها وفق قرارات الشرعية الدولية، وعدم هضم الحق الفلسطيني" هو أول الأهداف، وضرب بوتين على اليد الأمريكية لتوجيه رسالة "أن الولايات المتحدة ليست الوحيدة المؤهلة للعمل في المنطقة وأن لروسيا كلمة في كل الموضوعات الدولية، هو الهدف الثاني.
أما الهدف الثالث، وفق عودة فيتمثل بأن لروسيا كلمة خاصة في ملف القضية الفلسطينية تحديدا، مستذكرا جمع موسكو للفصائل الفلسطينية عدة مرات لبحث ملف المصالحة الوطنية بينهم، ودعوة بوتين عام 2016 لعقد لقاء يجمع رئيس السلطة محمود عباس وبنيامين نتنياهو دون شروط مسبقة، وهي الدعوة التي تتُطلق باستمرار من موسكو.
وأوضح عودة أن "هناك نحو مليوني يهودي من أصل روسي في (إسرائيل) وروسيا تفكر على المدى البعيد بفرض إرادتها دولية وتستخدم أدواتها على الطريق وهذا مسموح به في السياسة"، مشيرا الى أن بوتين يناور من أجل "إيجاد شروخ في القيادة الإسرائيلية لتحقيق أهدافها ومصالحها".
وفي الوقت نفسه، لا يغيب عن المشهد "العلاقة الحميمية" بين بوتين ونتنياهو والتنسيق العالي بينهما في العمل بسوريا، الأمر الذي يتطلب من الدب القطبي المناورة في مربع حساس جدا يزاوج فيه بين توافقه مع نتنياهو من جهة، واستخدامه ليبرمان ضد الأول لهدف روسي استراتيجي وتوجيه رسائل بعيدة من جهة أخرى.
وهنا يُعلق الكاتب والمحلل عودة، بالقول: "روسيا تحاول العمل على المتناقضات وتناور في ساحات حساسة تتطلب منها استدعاء ميزان الذهب لتحافظ على مواقفها ومصالحها وتوجيه النيران للأقطاب المختلفة باستخدام الرسائل والأدوات".