في ضوء تصاعد التوتر بين المقاومة الفلسطينية بغزة والاحتلال الإسرائيلي، تحدث مختصون عن مستقبل هذه الجولة “الشرسة” من التصعيد العسكري، والتي تأتي في ظل “ظروف حساسة” تمر بها “إسرائيل” التي لم تلتزم بتفاهمات تخفيف الحصار عن قطاع غزة.
وأدت الغارات المدمرة التي شنتها طائرات الاحتلال، إلى استشهاد 9 فلسطينيين من بينهم سيدة وجنينها ورضيعة، وتدمير العديد من المنشآت العامة والمباني السكانية، ومواقع ونقاط تابعة للمقاومة في قطاع غزة، في حين قتل 3 أشخاص جراء القصف الصاروخي من غزة وأصيب آخرون.
وحول جولة التصعيد الحالية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، أكد المختص في الشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن “هذه الجولة تختلف عن سابقاتها من الجولات”.
ونوه أبو عامر في حديثه صحفي إلى أن “إسرائيل من ناحيتها، قد تكون في اتجاه التنصل من التفاهمات السابقة التي أعطتها للمقاومة لحظة الضغط في فترة الانتخابات، وهي الآن تسعى إلى تغيير قواعد هذه التفاهمات وأقل من قبل وقصر التحسينات على الأوضاع الاقتصادية إلى مستوى محدود يمنع تفجر الوضع ووصول القطاع إلى حالة كارثة إنسانية لا تريد إسرائيل تحمل تبعاتها أمام المجتمع الدولي”.
كما تريد “تل أبيب” بحسب أبو عامر، أن “تنفذ التفاهمات الحالية المتفق عليها في حال نجحت في التوصل مع المقاومة على ترتيبات أمنية تحل مشكلة الجنود الأسرى الإسرائيليين وموضوع الأنفاق ومسألة امتلاك المقاومة منظومة الصواريخ؛ لضمان عدم تطوير المنظومة الحالية، وترك هذه المنظومة ليأكلها الصدأ مع الوقت”.
وأضاف أن “كل ذلك من أجل إحداث تحسينات فعلية تحدث تغيرا في الوضع المعيشي في قطاع غزة”، موضحا أن “المستقبل السياسي لقطاع غزة، هي مسألة تحتاج إلى تغيرات في التوجهات السياسية للقوى المسيطرة على القطاع، وهو أمر يعتمد على العامل الزمني ويحتاج أن تمر سنوات من الهدوء”.
وحذر المختص من إمكانية “وجود سيناريو هو أكثر خطورة وغير مرتبط بمسألة قطاع غزة نفسه بقدر ما هو مرتبط بحلول سياسية إقليمية؛ ضمن إطار ما يسمى بـ (صفقة القرن)”، مضيفا أن “هذا يحتاج لمزيد من المعلومات والتي قد يحسمها تقدم الحدث الجاري؛ هل ستنتهي عن قريب أم أننا ذاهبون إلى الحرب”.
حرب متدحرجة
وأكد أنه “في حال تطورت الأمور نحو حرب شاملة، فستكون الجولة الختامية لتنفيذ صفقة القرن، وسيكون الهدف منها إعادة هيكلة المشهد الفلسطيني بما يتناسب مع تنفيذ الصفقة، وهو ما قد يتوافق مع ما نشر من بأن الصفقة سيتم نشرها بعد رمضان أي بعد أن تكون الحرب قد وضعت أوزارها”، بحسب رأيه.
من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية هاني البسوس، “هذه هي الموجة العاشرة من التصعيد منذ حرب 2014، وهي الأشرس”، معتقدا أن “كلا الطرفين غير معني بالحرب أو المواجهة العسكرية المفتوحة، ولكن كل طرف يحاول تحقيق مكاسب سياسية”.
وأضاف البسوس في حديث صحفي أن “الجيش الإسرائيلي يحاول فرض معادلة اشتباك وردع مع فصائل المقاومة الفلسطينية، والفصائل الفلسطينية تضغط على إسرائيل لإنهاء الحصار أو على الأقل الالتزام ببنود التهدئة السابقة”.
وفي حين، “لم يفلح الوسيط المصري حتى الآن في الوصول إلى وقف إطلاق النار، في الوقت الذي يعتبر كل من الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال على جهوزية عالية لكل الاحتمالات”، بحسب البسوس.
وقدر أن “التوجه العام قد يكون التوصل إلى وقف إطلاق نار مع تقديم وعود إسرائيلية بتخفيف الحصار بوساطة مصرية”، لافتا إلى أن “احتمال الحرب المتدحرجة موجود لكنه ضعيف، كما أن احتمال التصعيد يزداد إذا حدث اغتيال لشخصيات فلسطينية أو قتلي في صفوف المستوطنين”.
أما الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، فقد أكد أن “الاحتلال هو من يتحمل مسؤولية التصعيد الأخير، لأنه هو من بدء باستهداف المدنيين في مسيرات العودة شرق البريج”، موضحا أن “المقاومة تمارس حقها الطبيعي في الرد على عنجهية الاحتلال وبطشه المستمر”.
مناسبات حساسة
وأشار القرا في حديث معه، إلى أن “الشعب الفلسطيني يلتف حول مقاومته التي رسمت مشاهد عز وفخار، بعدما رأى الصواريخ وهي تخرج من باطن غزة المحاصرة لتعانق الغلاف وبلدات الداخل الفلسطيني، وذلك في رسالة واضحة أن شعبنا لن يقبل الموت البطيء والمماطلة في تطبيق التفاهمات ورفع الحصار”.
وحول توقعه للساعات والأيام القادمة؛ في ظل عدم التزام الاحتلال بعد كل جولة تصعيد يتم التوصل فيها إلى تهدئة بتنفيذ ما تم التفاهم عليه، أوضح القرا، أن “الاحتلال يتنصل دوما من التفاهمات ورفع الحصار الظالم عن أهل غزة”، معتقدا أن “المقاومة في هذه الجولة لن تقبل أن يسود الهدوء على حساب خنق غزة، لأنها تعيش مرحلة ركوض وعدم وجود سيولة أموال مع الناس، خاصة مع قرب دخول شهر رمضان المبارك”.
ولفت الكاتب إلى أن “المقاومة أمام تحدي كبير بالضغط على العدو لينفذ ما تم الاتفاق عليه وإلا لا يوجد عندنا في غزة ما نخسره”، على حد قول القرا.
كما نوه المختص في الشؤون الإسرائيلية، سعيد بشارات، إلى أن “إذا ما استمرت المفاوضات واستجاب الاحتلال لتفاهمات مؤقتة، ستنتهي هذه الجولة خلال الساعات القادمة، لأن إسرائيل غير معنية بإطالة هذه الجولة من التصعيد”.
وأوضح بشارات في حديث معه، أن “لدى الاحتلال بعض المناسبات الحساسة التي تحتاج للهدوء، منها؛ ما يسمى بذكرى الاستقلال ومسابقة الأغنية الأوروبية؛ التي يخشى في حال استمر التصعيد ألا تأتي الوفود الأوروبية المشاركة”.
ونوه بشارات إلى أن “الاحتلال كعادته، يريد أن يحصل على ما يريد دون مقابل، وفصائل المقاومة تدرك ذلك، ومن هنا تريد أن تحصل على بعض الأمور عبر الضغط على الاحتلال في هذه الفترة الحساسة بالنسبة له”، مؤكدا أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو “لا يرد أن تزيد العملية عن حدها كي لا تصل الصواريخ إلى وسط تل أبيب، لذا هو معني بأن ينهي تلك الجولة خلال الساعات القادمة”.