الاحد 24 مارس 2019 20:08 م بتوقيت القدس
بين أحداث المسجد الأقصى السعيدة أو الحزينة، يلفت نظرك مصلون اجتمعوا حول داعٍ يؤمّنون وراءه، يأتيك الصوت قويا عاليا "افتح الأقصى يا الله، أبعد عنا اليهود يا الله".
تقترب فترى شابا محمر الوجنتين ذو لحية خفيفة وملامح بريئة، قصير القامة ممتلئ الجسم، لا يكاد يبين في بعض كلامه، لكنه حين يدعو يصرخ بصوت قوي فيه بحّة، تفهم منه أن صاحبه أحب الأقصى وجذب محبيه حوله.
محمد مرشد العجلوني (22 عاما) شاب مصاب بمتلازمة داون، يحظى بشعبية المقدسيين ومحبتهم. عفويته ووجوده الدائم في الأقصى جعله من أبرز وجوهه.
حين تحدث اشترط أن يبدأ المقابلة بالدعاء، كلامه لم يكن مفهوما، إلا أنه يحب الأقصى ويذهب إليه يوميا "ليدعو على اليهود". وكرر كثيرا "الله سبحانه يبارك لكم، الله سبحانه يحمي الأقصى".
يحمل محمد هاتفا ذكيا ويرتدي أجمل الثياب، يوصله والده إلى الأقصى من بيته في حي وادي الجوز شرق الأقصى، أو يأتي أحيانا مشيا لقرب المسافة.
تقف خلف شخصيته المميزة عائلة أحبته منذ ولادته واهتمت به كثيرا، فهو الأخ الثالث لستة أخوة، أخ صغير وخمسة أخوات درسن الهندسة المعمارية والطب البشري والمخبري.
تخرّج محمد حديثا من مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة في القدس المحتلة، حيث حرص والداه على تعليمه منذ صغره، ووفرا له المدرسين الخصوصين، وعلماه السباحة وركوب الخيل حتى أتقنهما. يسافر ثلاث مرات في العام مع عائلته للاستجمام، فهو يحب السفر والتجوال كثيرا.
الأقصى أولا
اعتاد محمد على مرافقة والده إلى صلاة الفجر في الأقصى، فارتبط به حتى لازمه بشكل يوميّ. تقول شقيقته براءة (23 عاما) للجزيرة نت إن محمد يعطي الأولوية للصلاة في الأقصى، ويرتب جدوله وفقا لذلك، "فحين نقرر الخروج في وقت الصلاة يرفض حتى يصلي في الأقصى، وحين يتعارض درس الفروسية مع صلاة الجمعة يختار الأخيرة". وتؤكد براءة أن محمد محافظ على صلاته ولا يقطعها أبدا.
تعامل العائلة محمد كشخص مميز مختلف لا متخلّف، وتستشيره بكل شيء، ويساوي والداه بينه وبين إخوته يثاب إن أحسن ويعاقب إن أخطأ، مما أكسبه استقلالا وقوة.
تقول براءة إنه مصدر الطفولة والبراءة في البيت، وتضيف "يوصينا أبي بأن نجعله في المرتبة الأولى، كما يقتبس محمد الكثير من شخصية والدي وخاصة في الدعاء".
واجهت العائلة بعض الانتقادات بسبب سماحها لمحمد الذهاب إلى الأقصى، وتقول براءة إن البعض طلب من العائلة حجز محمد في البيت وعدم إرساله إلا بمرافق شخصي، كما أنه كان يعود إلى البيت باكيا عندما يطلقون عليه كلمة "منغولي".
وتضيف "هؤلاء قلة جاهلة، نحن نعتمد على محمد ونثق به ولا نحتجزه، ولم يسمع كلمة منغولي في البيت أبدا، يعتبرها شتيمة، لو يعلمون كيف نعامله في البيت، لو يرون غرفته وأغراضه، سيتراجعون حتما".
طيب الرائحة والذكر
تذكر براءة عن محمد أنه يحب التعطّر وارتداء الساعات، ويتناول طعامه بالشوكة والسكينة في المطاعم، ولديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.
يرسل محمد لأخته رسالة صوتية كل يوم للسؤال عن أحوالها طالبا منها عدم الذهاب إلى الجامعة في مدينة نابلس شمال فلسطين لأنه يشتاق إليها، هي تحبه وتشتاق إليه أيضا، وتتحدث عنه في جامعتها خلال الندوات التي تعدها عن علم الجينات.
وتضيف مازحة "يرد على هاتفه دائما، لكنه حين يذهب إلى الأقصى وقت الأحداث ويتصل به والدي لإرجاعه أو الاطمئنان عليه، يتعمّد عدم الرد، يعلم أنه سيرجعه فيختصر الحكاية".