الجمعة 11 يناير 2019 18:55 م بتوقيت القدس
يعتبر البروفيسور بيني موريس أحد أهم المؤرخين الإسرائيليين الذين وثّقوا النكبة، من الجانب الإسرائيلي، حيث استخرج عددا كبيرا من الوثائق المحفوظة في الأرشيفات، وكشف بكتبه المجازر التي ارتكبتها المنظمات الصهيونية، ولاحقا الجيش الإسرائيلي، في العام 1948. وهو واحد من أبرز "المؤرخين الجدد"، الذين مارسوا التأريخ بعيدا عن الرواية الصهيونية، ووضعوا مصطلحات تتعلق بالنكبة لم يذكرها المؤرخون الصهاينة، مثل "مجازر" وطرد" و"تهجير" و"تطهير عرقي" أيضا.
بدأ موريس حياته المهنية كمؤرخ، يساريا، وحتى أنه دخل السجن العسكري لرفضه تأدية الخدمة العسكرية إبان الانتفاضة الأولى. واتهم بأنه "يساري" و"خائن" في إسرائيل. لكن في فترة لاحقة، خاصة بعد الانتفاضة الثانية، بدأ ينزح نحو أفكار اليمين ويكررها، ووصل به الأمر أن يصرح بأن زعيم الحركة الصهيونية ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، أخطأ لأنه لم يستكمل عملية تهجير الفلسطينيين من فلسطين وأبقى 160 ألف فلسطيني في "الدولة اليهودية".
وقال موريس في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس"، نُشرت اليوم الجمعة، إنه "نزحت نحو اليمين بالمفهوم السياسي وليس التأريخي. وما زلت مؤرخا ولست سياسيا. والتغيير الذي حدث لي يتعلق بموضوع واحد، وهو الاستعداد الفلسطيني لقبول حل الدولتين، والتنازل عن قسم من أرض إسرائيل". وأضاف أن هذا التغيير حدث في أعقاب الانتفاضة الثانية، وأنه أدرك حينها أن الفلسطينيين لن يوافقوا على التنازل عن مطلبهم الأصلي "بالحصول على أرض إسرائيل كلها بملكيتهم وسيادتهم. لن تكون هناك تسوية إقليمية، لن يكون سلام على أساس تقسيم البلاد، وهذا نابع بالأساس من أن الفلسطينيين متمسكون برغبتهم في السيطرة على أرض إسرائيل كلها واجتثاث الصهيونية".
وبدا واضحا في المقابلة أن موريس يتجاهل ممارسات إسرائيل كدولة احتلال، ويتجاهل رفض قادة إسرائيل للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، وكذلك امتناع رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إسحق رابين، عن تنفيذ اتفاقيات أوسلو. وهذا رابين نفسه، الذي يقول موريس إنه أمر بتهجير الفلسطينيين من اللد والرملة، في العام 1948.
وزعم موريس أن "من يقول إن (إيهود) باراك وبيل كلينتون قدما اقتراحا للفلسطينيين لا يمكنهم أن يقبلوه، فإنه يكذب" علما أن وزراء إسرائيليين رافقوا باراك في محادثات كامب ديفيد، في العام 2000، مثل الوزير حينها يوسي سريد، هم الذين يقولون ذلك. واعتبر موريس أن الفلسطينيين "يريدون 100% من أراضي أرض إسرائيل الانتدابية. وكانوا يتلاعبون وحسب عندما قالوا إنهم مستعدون لتسوية". وزعم أن "الحركة الصهيونية القومية وافقت على التسوية، في الأعوام 1937 و1947 و1977 و2008، على أساس دولتين للشعبين".
وفيما عبر الجانب الفلسطيني عن موقفه حيال حل الصراع من خلال الموافقة على حل الدولتين، في أوسلو، إلا أن موريس ادعى أن "رابين لم يكن بمقدوره تغيير الروح الأساسية للحركة الوطنية الفلسطينية، بأن أرض إسرائيل كلها لهم وأن اللاجئين يجب أن يعودوا إلى بيوتهم وأراضيهم. وإذا حدث هذا، فإنه سيحدث على أساس دمار إسرائيل". وادعى موريس، بعد هذه الأقوال، أنه ما زال يؤمن بحل الدولتين، لكنه اعتبر أن "هذا حل غير واقعي، ولن يتحقق".
في مديح نتنياهو
كمن يحمل أفكارا كهذه، يمتدح موريس رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. وقال إنه "لا يظهر في الأفق اليوم شخص قادر أو جدير باستبدال نتنياهو وأن يكون رئيس حكومة مقبولا على الشعب". وأضاف أن الانتقادات لنتنياهو لديه تقتصر على فساده، "ولا أوافق على أقواله غير الديمقراطية تجاه عرب إسرائيل. وممارساته في المجال الديني، وتوسيع المستوطنات وتعريف القومية اليهودية تسبب اغترابا لدى يهود الولايات المتحدة".
انتقد موريس "عدم استعداد نتنياهو للتحدث مع الفلسطينيين حول تسوية إقليمية. وهو لم يضع شيئا على الطاولة يمكن أن يجذبهم إلى البحث". لكن موريس أردف أن الهدف هو خداع الفلسطينيين والعالم، وقال إنه "حتى لو أن تسوية إقليمية مع الفلسطينيين ليست واقعية في هذا الجيل، كما كان في الأجيال السابقة، فإنه عليك أن تلعب اللعبة الدبلوماسية، حتى لو أنك تعلم أنها لن تقود إلى أي شيء، وذلك من أجل الحفاظ على تأييد الغرب. يجب أن تظهر كمن تنشد السلام، حتى لو لم تكن كذلك".
كذلك عبر موريس عن تأييده لسياسة نتنياهو تجاه إيران، لكنه أعتبر أن "أحد أخطاء نتنياهو الكبيرة كان أنه لم يقصف المنشآت (النووية) الإيرانية".
"جرائم القتل تعكس طبيعة المجتمع العربي"
كرر موريس موقفه من النكبة بأنه كان ينبغي تنفيذ تطهير عرقي كامل بحق الفلسطينيين، وقال إنه "لو أن حرب الاستقلال (1948) انتهت بفصل السكان بصورة مطلقة، أي عرب أرض إسرائيل في الجانب الشرقي لنهر الأردن واليهود في الجانب الغربي للنهر، لكان الشرق الأوسط أقل قابلية للانفجار، ولكانت معاناة الشعبين في السبعين عاما الأخيرة أقل. وكانوا سيرضون بدولة، ليست مثلما أرادوا، وكنا سنحصل على أرض إسرائيل كلها".
مظاهرة ضد "قانون القومية" العنصري في تل أبيب
وأضاف أن "دافيد بن غوريون أراد بقاء أقل عدد ممكن من العرب في الدولة اليهودية بنهاية 1948، واهتم بأن يلمح لضباطه بأن هذا ما يريده. لكنه كان يعلم أن إصدار أوامر بطرد العرب هو أمر غير صحيح تنفيذه لدى قيام الدولة. ولذلك تحرك بين طرفين. صادق على الطرد في اللد والرملة، لكنه لجم الطرد في الناصرة. وهكذا حدث أنه بقي بعد الحرب 160 الف عربي".
وانضم موريس إلى جوقة اليمين الإسرائيلي بالتحريض ضد المواطنين العرب في إسرائيل. "أعتقد أن أقلية عربية كبيرة في الدولة اليهودية، إذا كانت تتعاطف مع الرواية الفلسطينية والرغبة الفلسطينية بالتخلص من دولة إسرائيل، مثلما يفعل قسم من أعضاء الكنيست ومنتخبو الجمهور في المجتمع العربي، فهذه مشكلة... فهم ينجرفون بصورة أوتوماتيكية لدعاية معادية للصهيونية بقيادة عرفات، في حينه، أو حماس اليوم. وقد شاهدنا المواجهات عام 2000. والحمد لله أن هذا لم يتحول إلى تمرد حقيقي. وأعتقد أنه كان أفضل للجانبين لو أننا انفصلنا في العام 1948".
وتطرق موريس إلى استفحال جرائم القتل في المجتمع العربي في إسرائيل، وتجاهل دور السلطة الإسرائيلية في تغذية هذه الظاهرة، مثل عدم فك رموز معظم الجرائم، وإدخال جاهات صلح برئاسة زعماء منظمات إجرامية وما إلى ذلك. واتخذ موريس في هذا موقفا عنصريا بامتياز، معتبرا "أنهم لا ينقدون أفعالهم وأقوالهم بأنفسهم، وإنما ينتقدون اليهود فقط. هكذا يحدث عندما يُقتل أحد في الوسط العربي، يتهمون الشرطة فورا، بأن تسيّر دوريات بشكل كاف، ولكنهم لن يتهموا أنفسهم ويقولوا إن عربا يقتلون عربا لأن هذا طبيعي جدا. ويوجد في العالم العربي، وعرب إسرائيل هم جزء منه، عدم نقد ذاتي. الأجنبي مذنب دائما. إنهم ينمّون إجراما أكثر بكثير من المجتمع اليهودي. ورغم أن المجتمعات الفقيرة تنمو فيها الجريمة، لكن الحديث هنا عن قتل بكميات كبيرة للغاية، وهذه ليست مسألة مال. هذه طبيعة المجتمع".
نفي مجزرة دير ياسين
نفى موريس تسمية ما حدث في دير ياسين، أثناء النكبة، بأنها مجزرة. "إذا أخذت 50 أسيرا، وأوقفت عند حائط وقتلتهم، مثلما حدث في قرية الجش في 1948، فهذه مجزرة. وهذا لم يحدث في دير ياسين، وإنما قتلوا عددا هنا، وعددا هناك، وألقوا القبض على بضعة أسرى وقتلوهم. وهناك آخرون لم يقتلوهم. وفي المجمل قُتل هناك حوالي 100 مواطن. ويطرح السؤال، إذا جمعت عددا من الفظائع سوية للعدد 100 وتسمي ذلك مجزرة، أو أن تقول قتلوا هنا وهناك عدة عائلات، من دون قصد، في أماكن مختلفة ولحظات مختلفة، فلعل هذا قتل مدنيين وليس مجزرة؟".
وكان موريس قد قال في مقابلة للصحيفة نفسها، في العام 2004، إنه "هناك ظروف تاريخية يوجد فيه مبرر لتطهير عرقي". وكرر اليوم تأكيده على ذلك، بادعاء أنه "عندما يكون الخيار بين تطهير عرقي وإبادة عرقية، فإنني أفضل التطهير العرقي". وأضاف أنه "يجب إقامة شيء للفلسطينيين سبيه بالقفص. وأعلم أن هذا يبدو رهيبا. وهذا وحشي فعلا. لكن لا مفر. يوجد هناك حيوان متوحش ينبغي حبسه بهذه الطريقة أو تلك".
إلا أن موريس اعترف أنه "لا أعرف كيف نخرج من هذا" الوضع فيما يتعلق باستمرار وجود إسرائيل كدولة "يهودية". "فاليوم يوجد بين البحر والنهر عرب أكثر من يهود. والبلاد كلها تتحول، بشكل لا يمكن منعه، إلى دولة واحدة توجد فيها أغلبية عربية. وما زالت إسرائيل تسمي نفسها دولة يهودية، لكن وضعا نسيطر فيه على شعب محتل وليس لديه حقوق لا يمكن أن يستمر في القرن الـ21، في العالم المعاصر. وعندما يصبح لديهم حقوق، فالدولة لن تبقى يهودية".
وأضاف أن "هذا المكان سيرسب كدولة شرق أوسطية مع أغلبية عربية. والعنف بين المجموعات السكانية المختلفة، داخل الدولة، سيتصاعد. والعرب سيطالبون بعودة اللاجئين. واليهود سيبقون أقلية صغيرة داخل بحر عربي كبير من الفلسطينيين. وأقلية ملاحقة أو مذبوحة، مثلما حدث عندما عاشوا في الدول العربية. ومن سيكون قادرا بين اليهود، سيهرب إلى أميركا أو الغرب. والفلسطينيون ينظر إلى كل ذلك بنظرة واسعة ولسنوات طويلة. إنهم يرون أنه يوجد هنا الآن 5 أو 6 أو 7 ملايين يهودي محاطين بمئات ملايين العرب. وليس لديهم سببا كي يتنازلوا، لأن هذا لن يطول. إنهم ملزمون بالانتصار. بعد 30 إلى 40 عاما سيتغلبون علينا، مهما حدث".