الجمعة 28 سبتمبر 2018 13:41 م بتوقيت القدس
ارتقى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، درجة أخرى في مستوى أكاذيبه وتحريضه في كافة المواضيع التي تناولها خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، الخميس. وفيما يتعلق بإيران، زعم أنه يكشف للعالم عن منشأة نووية سرية في طهران، وأن إيران لم تتخلَ عن برنامجها لتطوير أسلحة نووية، وأن إسرائيل ستعمل ضد إيران في سورية ولبنان والعراق، وفي لبنان توجد ثلاثة مصانع لتحويل الصواريخ إلى دقيقة، وكانت كذبته الكبرى عندما اعتبر وصف إسرائيل بأنها دولة أبارتهايد هو عداء للسامية.
وقال مسؤول في الاستخبارات الأميركية لوكالة رويترز حول مزاعم نتنياهو إنها "مضللة قليلا. أولا، نحن نعرف عن هذه المنشأة (في طهران) منذ فترة. وهي مليئة بالخزائن والأوراق، وليس بأنابيب الألمنيوم الموصولة بأجهزة طرد مركزية. ثانيا، مثلما يعرف الجميع، لا يوجد فيها أي شيء يمكن أن يسمح لإيران بالخروج من الاتفاق النووي بسرعة". وقال مسؤول أميركي آخر للوكالة نفسها إن الولايات المتحدة تعلم بشأن المنشأة التي "كشفها" نتنياهو، وهي عبارة عن "مخزن" يتم فيه الاحتفاظ "بوثائق وأرشيف" للبرنامج النووي. أي أن المكان معروف لأجهزة الاستخبارات ونتنياهو لم يكشف شيئا.
"إعلان حرب"
تساءل المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، عن الاستنتاج المطلوب في أعقاب خطاب نتنياهو، وادعاءه بأن إيران مستمرة في محاولة التسلح نوويا وخطة حزب الله بإطلاق صواريخ دقيقة باتجاه إسرائيل، ورأى شيفر أن الإجابة هي "الحرب".
وأضاف شيفر أنه "إذا استمرت إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة في انتهاج سياسة مواجهة مقابل إيران من دون محاولة التوصل إلى تسوية معها، فإننا قد ندفع ثمنا يزهق حياة الآلاف". واقتبس شيفر من أقوال رئيس الموساد الأسبق، مئير داغان، الذي سعى إلى تشويش التسلح الإيراني النووي، أنه "في نهاية المطاف لن ينجح أحدا في منع إيران من تحقيق هدفها. بإمكاننا نعرقل لسنوات معدودة نية آيات الله بحيازة سلاح نووي، لكن علينا أن نستعين بالدول العظمى كي تتوصل إلى تسوية مع إيران. وليس لدى إسرائيل وحدها الوسائل والقدرات لمنع طهران من الحصول على القنبلة".
وحذر شيفر من أن نتنياهو يهدد بالانفصال عن أوروبا بشكل كامل، بادعاء أنها متسامحة مع إيران، ومن إبدائه تأييدا غير متحفظ من موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه الأوروبيين. "لكن يجدر بنتنياهو أن يتذكر أن ترامب متورط في التحقيقات ضده حتى عنقه، وثمة احتمال أن تتم الإطاحة به من البيت الأبيض. ونتنياهو يخاطر برهانه على ترامب فقط، ويهمل محاولات الحصول على تأييد الحزبين الأميركيين للمصالح الإسرائيلية".
وشدد شيفر على أنه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن "نتنياهو حصل على حبة دواء مهدئ عندما كرر ترامب القول إنه يفضل حل الدولتين. وثمة أهمية هنا أيضا للإشارة إلى خلاصة الأمر: لا توجد خطة حقيقية لدى الأميركيين. وكافة الأقوال حول صفقة القرن ليست جدية. كما أنه لا توجد أية مبادرة من جانب نتنياهو لوضع أفق للحل. ونتنياهو يؤمن بأن استمرار الوضع الحالي في المناطق (المحتلة) جيد لإسرائيل".
كذلك رأى مراسل صحيفة "معاريف" في نيويورك، شلومو شمير، أن "رسالة نتنياهو ضد إيران هي عملية إعلان حرب وتصريح واضح ومتشدد ولا لبس فيه أن إسرائيل لن توقف جهودها السرية والعلنية بهدف إحباط ولجم تطلعات إيران بتطوير سلاح نووي.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، اعتبر شمير أن "نتنياهو فند وسخّف الاتهامات لإسرائيل بأنها نظام أبارتهايد، ولم يتردد في وصف عداء الأمم المتحدة لإسرائيل بأنه عداء للسامية. لكن ما كان ناقصا في الخطاب، هو تصريح واضح حول استعداد إسرائيل لاستئناف المحادثات مع الفلسطينيين من دون شروط مسبقة. الخطاب كان مثيرا للإعجاب، والسؤال هو إلى أي مدى ستؤثر هذه الاثوال على توجهات معظم الدول الأعضاء المعادية بصورة أوتوكاتيكية لإسرائيل. والإجابة ليست مشجعة".
"واقع العلاقات الإسرائيلية - الأميركية متغير"
أكد الدبلوماسي والقنصل الإسرائيلي الأسبق في نيويورك، ألون بينكاس، في "يديعوت أحرونوت"، أن حديث الإسرائيليين في حاشية نتنياهو إلى الأمم المتحدة، بأن "العلاقات الإسرائيلية – الأميركية لم تكن أفضل أبدا، ليست مشهدا كاذبا تماما، لكن هذه صورة ليست دقيقة كثيرا. إذ أن واقع العلاقات الإسرائيلية – الأميركية مختلف ومتغير، وتياراته العميقة بدأت تطفو".
وأضاف أنه "يجدر التمعن وتفكيك أحداث اليومين الماضيين. رؤساء الدول ووزراء الخارجية ضحكوا بصوت مرتفع وباستهزاء على ترامب الذي أعلن بتباهٍ مضخم أنه حقق إنجازات أكثر من أي رئيس في التاريخ. لم تستهزئ به الأمم المتحدة، وإنما دول هي التي استهزأت. وإذا استهزأوا بحق أو بدون حق، فإن هذا سيئ لأميركا. لذلك فإنه سيئ لإسرائيل التي تنبع قوتها بشكل مباشر من قوة الولايات المتحدة السياسية وتاثيرها العالمي. وعندما يربط نتنياهو مصير إسرائيل بترامب، وترامب هو موضوع استهزاء في الصين وألمانيا وروسيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وأماكن أخرى، فهذا ليس مفيدا لإسرائيل".
وحول تصريح ترامب بأنه أحب حل الدولتين وبعد ذلك بساعات قال إن حل الدولة الواحدة وارد أيضا وأنه سيطرح "صفقة القرن" خلال شهرين أو ثلاثة، كتب بينكاس أن "من قرأ كتاب بوب وودوورد، ’الخوف’، أو تابع فقط تغير تصريحات ترامب خلال ساعات، واضح له أنه ليس جديا، وليس ملتزما وليس معنيا حقا" إزاء حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
وأشار بينكاس إلى أن "ترامب أثبت جهلا مطلقا في ما يحدث في سورية وفي الأزمة بين روسيا وإسرائيل (بعد إسقاط الطائرة الروسية). ولذلك فإن تصريح نتنياهو بأنه ’تحدث مع ترامب عن بوتين’ مستغرب، خاصة وأنه يجري المحقق الخاص روبرت مولر تحقيقا حول علاقة المرشح ترامب (بانتخابات الرئاسة السابقة) مع روسيا".
ولفت بينكاس إلى أن "غياب الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط هي عملية تدريجية جارية منذ عقد تقريبا ولأنها سئمت الشرق الأوسط وتعبت من الحروب وتركز اهتمامها على الصين والشرق. ونتيجة هذه العملية هو تغيير سلم الأولويات الأميركي الذي لا يصب في مصلحة إسرائيل".
وخلص بينكاس إلى أنه "نعم، ترامب مؤيد لإسرائيل. نعم، هو نقل السفارة الأميركية إلى القدس. لكن مثلما هو فرح وانفعل من (زعيم كوريا الشمالية) كيم جونغ أون، فإن هذا سيكون غدا (الرئيس الإيراني حسن) روحاني أو قاسم سليماني. ونتنياهو الذي ربط مصيره بترامب، وانفصل بفظاظة عن حزب الأغلبية في أميركا، الدميقراطيين، وعن 70% من يهود أميركا، يعرف بالتأكيد أنه ليس لديه أية رافعات تأثير في واشنطن باستثناء رجل واحد ليس متوقعا وليس واضحا، ترامب".