رغم تأخر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الإعلان عن صفقة القرن "الغامضة" فإنها بدأت عمليا بتنفيذ بعض بنودها من خلال نقل السفارة الأميركية إلى القدس ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ووفق تحليل لموقع "ميديا بارت" الفرنسي كان من المفترض -وفق المعلن أميركيا- أن يكشف جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي جيسون غرينبلات عن الصفقة المكونة من أربعين صفحة بداية الشهر الجاري إلا أن الأمر لم يتم.
ومع اقتراب افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 من الشهر الجاري ولاحقا إجراء الانتخابات التشريعية الأميركية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لا يتوقع أحد الإعلان عن هذه الصفقة قبل الانتهاء من الانتخابات النصفية التي ينتخب فيها الأميركيون جزءا من أعضاء الكونغرس.
وتساءل الموقع "لكن لماذا تصر إدارة الرئيس الأميركي على طرح "خطة سلام" سترفض ولن تحظى برضا جميع الأطراف؟".
الخطوة الأولى
تمضي "إسرائيل" منذ سنوات قدما في سياستها الاستيطانية ملتهمة بذلك أراضي الفلسطينيين وهو ما يتلاءم مع توجه إدارة ترامب التي نقلت السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس كأول خطوة ضمن صفقة القرن.
وتكشف هذه الخطوة على أن سياسة الإدارة الأميركية الحالية تنبني على المبدأ التالي: لا خطط، لا مفاوضات، وإنما إجراءات عملية على الأرض.
وكانت وضعية القدس وحق اللاجئين في العودة وأيضا الحدود والمستوطنات من بين أكثر القضايا الشائكة المطروحة منذ مفاوضات أوسلو عام 1993.
وعمليا، يعمل ترامب وفريقه على سحب هذه الملفات الشائكة من طاولة التفاوض الواحدة تلو الأخرى لجعلها "حقائق منجزة على الأرض".
وفي هذا الصدد، قال الكاتب الأميركي والمفاوض المخضرم آرون دافييد ميلر للموقع الفرنسي إن "الإدارة الحالية تعمل حاليا على إعادة تحديد السياسية الأميركية -تجاه الفلسطينيين والإسرائيليين- بشكل لم نره منذ 25 عاما، وهو ما سيجعل التراجع عن تلك السياسة أمرا صعبا بالنسبة للإدارات اللاحقة".
الخطوة الثانية
وبعد الانتهاء من تحديد وضع القدس بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل على أن يتبع ذلك دفع الفلسطينيين -بتأثير سعودي وأردني- لقبول قرية أبو ديس عاصمة محتملة للدولة الفلسطينية المقبلة انتقلت واشنطن إلى الخطوة الثانية المتعلقة باللاجئين حيث أعلنت أواخر أغسطس/آب الماضي وقف تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وقد شدد البيت الأبيض على أنه لا يريد الحديث مجددا عن هذا الموضوع.
ويبدو أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو من أوعز للإدارة الأميركية بوقف تمويل أونروا البالغ 350 مليون دولار سنويا، وهو ما يمثل ثلث ميزانية المنظمة.
وقد رفض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الوقف الكامل للدعم، وهو ما اعترض عليه كوشنر، مؤكدا على أن وقف التمويل يندرج ضمن "خطته" وليس خيارا "عقلانيا" من منظور الدبلوماسية الأميركية.
وبحسب الإدارة الأميركية، فإنه من غير العقلاني أن تدعم أونروا بخمسة ملايين لاجئ، في حين كان عددهم لا يتجاوز سبعمئة ألف عام 1948.
دعم يتلاشى
ورفض الجانب الفلسطيني خطوات واشنطن التي كانت راعية لعملية السلام خلال السنوات الماضية، مما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى رفض لقاء نظيره الأميركي.
وقال دبلوماسي فلسطيني يعمل في أوروبا إن "الإدارة الأميركية تسعى إلى إحضارنا إلى طاولة المفاوضات بالغصب، وقد لاحظت أن الدعم الذي حظيت به من دول عربية بدأ يتلاشى".
وترى الصحيفة أن الإدارة الأميركية قد بذلت جهدا كبيرا لجعل السعودية وبلدان الخليج والأردن ومصر منخرطة في مشروع "صفقة القرن" إلا أن هذا الدعم بدأ في الفتور خلال الفترة الأخيرة، فملك السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود رفض التوقيع على شيك على بياض لولي عهده محمد بن سلمان الذي يسعى على ما يبدو إلى تجاهل قضية أن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
وفي القاهرة، لم يعد الرئيس عبد الفتاح السيسي متحمسا لموضوع فصل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية وتركها لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبناء منطقة اقتصادية بسيناء يشوبها الكثير من الغموض.
أما في الأردن فلم يتقبل الملك عبد الله الثاني الفكرة الإسرائيلية الأميركية بسحب الإشراف الأردني على الأماكن المقدسة في القدس لصالح السعودية، وينضاف إلى ذلك الرفض الأردني الفلسطيني لمقترح الكونفدرالية بين الطرفين.