الجمعة 10 اغسطس 2018 00:37 م بتوقيت القدس
لا يعرف أحد بالضبط، تفاصيل الليلة الأخيرة التي جمعت عائلة “أبو خماش”، وسط قطاع غزة.
فالناجي الوحيد، وهو رب العائلة “محمد”، لم يرو شهادته بعد، حيث يرقد في المشفى، دون أن يعلم حتى الآن، أن جنازة خرجت، حَمَل فيها جيرانه أشلاء زوجته، إيناس (23 عاما)، الحامل في شهرها التاسع، وجنينها، وطفلته “بيان” (عام ونصف)، في تابوت واحد، إلى مثواهم الأخير.
لكن، تخيّل تفاصيل ما جرى، ليس بالأمر الصعب، في منطقة كقطاع غزة، التي تفتقد للملاجئ والتحصينات، ويضطر فيها السكان إلى المكوث في منازلهم، تحت وقع الغارات وسقوط الصواريخ.
فلا بد أن أفراد العائلة الصغيرة، قد التصقوا ببعضهم البعض، وبخاصة الأم، وطفلتها، كي تهدئ من روعها، وخوفها الناجم عن أصوات الانفجارات.
ويقع منزل أبو خماش، في منطقة ريفية، غير مكتظة، ويقترب من السياج الحدودي مع حماس، مسافة 4 كيلومترات تقريبا، وهو ما يعني أن العائلة عاشت في “أجواء رعب”، نظرا لضخامة التفجيرات والقصف المدفعي الذي تعرضت له المنطقة.
وما هي الا لحظات حتى اخترق صاروخ سقف المنزل، وسقط وسط العائلة، وتسبب في تمزيق جسد الأم وجنينها وطفلتها، وإصابة الأب بجراح بليغة.
نصف ساعة مضت تقريبًا، دون أن يعلم الجيران أين مكان الانفجار، لكون المنطقة ريفية، والمنازل متباعدة عن بعضها البعض، وهناك خشية على حياة كل من يتحرك.
وبعد أن تحرك الجيران، ووصلوا إلى المنزل المستهدف، وجدوا أشلاء الأم وطفلتها، فيما زوجها محمد (29عامًا) ما زال على قيد الحياة، رغم تعرضه لإصابات بليغة.
وتحوّلت جدران المنزل الذي زاره مراسل وكالة الأناضول، من اللون الأبيض للأحمر، بسبب الدماء والأشلاء الملتصقة بالجدران.
أما الملابس وفراش الأسرة ودمى الطفلة وبقية ألعابها، فتناثرت بين ركام المنزل، واكتست بسواد دخان القصف، فيما رائحة الموت تحوم في المكان.
وفي المكان، عاين مراسل “الأناضول”، كوتة الطفلة، وهي الكرسي المستخدم في إلهاء الأطفال ومساعدتهم على النوم، وقد تهشمت، فيما ملابسها وبقية أغراضها قد تمزقت.
وتقول، إيمان أبو خماش (19عامًا)، شقيقة الشهيدة “إيناس”، وهي تبكي بُحرقة، إنها تشعر بصدمة كبيرة لما حدث.
وتضيف لمراسل وكالة الأناضول:” لم أتوقع للحظة أن يتم قصف منزلها، وأن تُستشهد هي وطفلتها، وهم نيام، لا ذنب لهم، سوى أنهم فلسطينيين”.
وتضيف:” هل يُعقل أن يتم قصف المنزل بهذا الشكل وتقترف جريمة بشعة بحق شقيقي الحامل وطفلتها وزوجها”.
وتلفت إلى أن شقيقتها متعلقة كثيرًا بطفلتها الوحيدة والبِكر “بيان”، ودائمًا ما تصورها وتكتب عنها عبر صفحتها في موقع “فيس بوك”.
وتتابع:” كانت على أمل بعد أيام أن تضع مولودتها الثانية والتي أسمتها رزان قبل أن تلدها، وكانت متشوقة لرؤيتها، وتفرح بها وبشقيقتها كأي أم في العالم، ترى المستقبل الجميل في أطفالها”.
وتوضح أن شقيقتها تدرس تخصص “التعليم الأساسي” في جامعة الأزهر بغزة، في السنة الثالثة.
وتقول:” كانت إيناس تحلم بأن تُصبح معلمةً وتمارس هذه المهنة التي تحبها، لكن الاحتلال قتل حُلمها.
وتضيف متسائلة:” ما هو ذنب هذه الطفلة وأمها وجنينها الذي لم يرَ النور؟”.
أما، فايزة أبو خماش (40عامًا)، شقيقة المُصاب محمد، فتعبر هي الأخرى عن صدمتها للمشهد، الذي حدث لشقيقها وأسرته.
وتقول لوكالة الأناضول إنها عاجزة عن التصديق بأن زوجة شقيقها وجنينها، وطفلتها، قد وضعوا في تابوت واحد كونهم أشلاء، فيما لا يزال شقيقها يرقد في غرفة العناية المكثفة، يعاني من جراحه.
وتنوه أبو خماش إلى أن شقيق آخر لها يدعى مختار (23عامًا) قد استشهد قبل نحو شهرين، خلال مسيرات العودة.
وتضيف:” مثلما صدمنا باستشهاد مختار، نصدم اليوم باستشهاد إيناس وبيان، واليوم يتكرر المشهد بشكل أقسى من سابقه”.
بدوره، يقول أكرم أبو خماش (42 عامًا) شقيق المُصاب “محمد”، إن الأخير عاد قبل نحو عامين من السودان، بعد أن أنهى الدراسة في كلية الشرطة هناك.
وأضاف:” عمل في الشرطة الفلسطينية، وأنجب طفلته بيان، وكان ينتظر الثانية، ليفرح بهما كما أي أب، فقضى الاحتلال على تلك الفرحة، بقصفهم جميعًا”.
ويتابع:” شقيقي عاش معنا في منزلنا، لكنه شعر بضيق المنزل، فتوجه لاستئجار منزل، في مدينة دير البلح التي نعيش بها، وكأنه ذهب لقدره هناك، حيث المكان الذي اختاره؛ فالآن هو مُصاب”.
وأكمل:” محمد حتى الآن، لا يعلم أنه فقد أسرته، لا أعلم كم سيُصدم إن كُتب له حياة وعلِم باستشهاد أسرته جميعًا”.
وأعلنت وزارة الصحة فجر اليوم الخميس، عن استشهاد الحامل إيناس أبو خماش، وطفلتها بيان، وإصابة زوجها، جراء “استهداف إسرائيلي”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان إنه شن نحو 150 غارة على قطاع غزة، مساء أمس وفجر اليوم، قال إنها استهدفت مواقع لحركة حماس.