الاربعاء 06 يونيو 2018 13:05 م بتوقيت القدس
تُثقِلُ الهمومُ كاهِلَ الفلسطينيّين وتزداد في شهر رمضان، فباشتداد وطأة الحصاتر الإسرائيليّ المفروض على غزّة والعدوان المستمرّ، وبفرض السّلطة إجراءاتِها العقابيّة ضدّ القطاع لتنال من قطاعي الصّحّة والخدمات، ووسط أزمة الرّواتب الّتي استهلكت جيوب الغزّيّين.
واعتاد الغزّيون في سنوات حصارهم على الإفطار والسّحور أحيانًا في ظلامٍ دامسٍ يغلّف موائدهم، وهذا العام، لا تبصر غزّة الكهرباء معظم ساعات اليوم بعد تصعيد الاحتلال لساعات قطع الكهرباء عن القطاع. وحشة العتمة والرطوبة العالية التي تغلف البيوت، دفعتا الفلسطيني نحو متنفسٍ هو الوحيد في قطاع غزة، هو شاطئ البحر.
على شاطئ البحر في مدينة غزّة، جلس شادي الكتري مع زوجته وطفليه لتناول طعام الإفطار، في لمّةٍ عائليّةٍ غدت روتينًا لدى الكتري وعائلته، كما العديد من العائلات الغزّيّة، في محاولة تغيير الأجواء، في ظلّ انقطاع التّيّار الكهربائيّ جلّ الوقت والأزمات الّتي تعصف بالقطاع.
ويقول الكتري، إنّ "الإفطار على البحر يأخذ طابع البساطة، وهو جوهر الجلسة، فنحن نخرج هنا لنغيّر حياتنا المزدحمة بالتّعقيدات"، فالنّزهة على الشاطئ ووجبة الإفطار لم تكلّفه وعائلته الكثير، فهي وجبةٌ خفيفةٌ حضّروها في البيت وبعض المسلّيات.
لمّة أخرى من أربعة شبان تجمّعوا على مائدة إفطار تطل على بحر غزة. فقبل ساعات قليلة من كسر الصيام، شعر محمود العمصي بالضجر من الجلوس داخل منزله وانتظار لحظة الإفطار على كهرباء مقطوعة، فسارع إلى الاتصال بأصدقائه وتشجيعهم على الخروج والإفطار عند الكورنيش.
ويقول العمصي بعد أن أنهى وأصدقاءَه إفطارهم إنّ في اللّمّة الشّبابيّة عند الإفطار على شاطئ بحر غزّة شعورًا جميلًا فالبحر "هو المكان الذي نتنفس فيه قليلًا. بيوتنا متأزمة من انقطاع الكهرباء هذا غير الأزمات الكثيرة التي نعاني منها كشعب فلسطيني يعيش في قطاع محاصر، الإفطار على البحر متنفّسنا من الحال الذي يضيق بنا".
وفي الوقت الذي يعاني بحر غزة من تلوث مياهه وشاطئه، بسبب ضخ كميات كبيرة من المياه العادمة فيه، لا ينفك الفلسطينيون عن الخروج خلال رمضان نحو هذا المتنفس الوحيد لهم، حاملين طعامهم إلى هناك، وكل همهم هو الابتعاد ولو بشكلٍ مؤقت عن البيوت المظلمة وتجاهل الأحوال الضائقة.
جاءت نسرين سلامة إلى الكورنيش مع صديقتها، ولم تجلسا على طاولة من تلك المنتشرة على طول المنطقة المطلّة على بحر غزة، بل اختارتا الجلوس على رمال الشاطئ، والاستمتاع بجلسة بسيطة كسرت خلالها وصديقتها صيامهما، وتجاهلتا سوء الحال الذي تعاني منه كل البيوت الفلسطينية.
وتوضح سلامة أنّها ملّت من الجلوس في البيت طوال اليوم، بما في ذلك تناول الإفطار موضّحةً أنّ "سبب هذا الرّوتين الممل هو أنّني تخّرجت من الجامعة ولم أجد فرصة عمل في مجال الهندسة التي درستها فصار كسر الرّوتين والخروج إلى البحر مهربي من الشعور بالضّجر ، لذا آتي أنا وصديقتي مرّةً أسبوعيًّا لنكسر صيامنا سويّةً على الشّاطئ".
ظاهرة إفطار الفلسطينيّين على شاطئ البحر في غزّة دفعت العديد من أصحاب بسطات بيع المشروبات السّاخنة أو الذّرة، وهي منتشرةٌ على الشّاطئ عادةً، إلى نشر بعض الطّاولات والكراسي وتأجيرها للغزّيّين المقبِلين للإفطار، بمقابلٍ بسيط لا يتجاوز عشرة شواقل يساهم في توفير قوت يومهم. فيقول صاحب بسطة بيع للمشروبات، نادر بدوي إنّ "إفطار النّاس على البحر شجّعني لإحضار عدد من الطّاولات وركنها أمامي وتأجيرها للنّاس بمقابل مادّيّ بسيط يساعدني في توفير مصروفي اليوميّ في رمضان".