الاثنين 02 ابريل 2018 16:38 م بتوقيت القدس
يقدم الكتاب الجديد لرئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، سردا تفصيليا للعمليات الاستخبارية التي قادها في العمق السوري والمصري على رأس "سَرِيّة هيئة الأركان العامة" التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وتعتبر وحدة كوماندوز النخبة في إسرائيل. وبقيت بطور السرية طوال عقود من الزمن، خلافًا للسياسة الإسرائيلية العامة التي تتوافق عادة على عدم الكشف عن تفاصيل عملياتها العسكرية والاستخباراتية بشكل رسمي أو على لسان أحد كبار قادتها.
وباراك هو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، وكان قائدا لوحدة الكوماندوز هذه، ونفذ عمليات كثيرة، بينها عمليات ضد المقاومة الفلسطينية، حيث أقدم شخصيا على قتل كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد النجار، في بيروت بإطلاق النار بنفسه عليهم. ويتهم باراك، كرئيس للحكومة، أنه سعى إلى إفشال إمكانية التوصل إلى حل سلمي مع الفلسطينيين خلال لقائه مع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في كامب ديفيد في العام 2000. وعلى خلفية سياسته الرافضة للسلام، وفي أعقاب فشل قمة كامب ديفيد، اندلعت انتفاضة الأقصى والقدس، عام 2000. وباراك هو صاحب مقولة "لا يوجد شريك للسلام في الجانب الفلسطيني".
وكانت تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، قد اعتبرت أن نشر السيرة الذاتية لباراك، التي من المتوقع أن تصدر في الولايات المتحدة الأميركية خلال شهر أيار/ مايو المقبل، بالإضافة إلى نشر مذكرات رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، قد عجّلا من اعتراف إسرائيل الرسمي بتدمير المفاعل النووي السوري في منطقة دير الزور في أيلول/ سبتمبر 2007، والذي شكّل مادة دسمة للإعلام خلال الأسبوعين الماضيين.
من طور السرية... إلى العلن
واحتاج باراك لنشر سيرته الذاتية التي تحمل عنوان: "بلادي، حياتي: القتال من أجل إسرائيل، البحث عن السلام"، لمصادقة لجنة وزارية رقابية برئاسة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تعمل على مراجعة الكتب التي ألفها كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين (من العسكر والساسة)، وتسمح بنشر ما لا يتعارض مع المصالح العامة الإسرائيلية. أتاحت اللجنة لباراك، الخوض في مواضيع لم يكن يسمح بالسابق لأي كاتب إسرائيلي الخوض فيها. ما قد يفضي إلى الكشف عن عمليات إسرائيلية أحيطت بالغموض لمدة تزيد عن 50 عاما.
وتناول الكتاب العمليات الأولى لوحدة النخبة التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. خصوصًا تلك التي قادها باراك في سورية ومصر. إذ أوضح الكتاب أن الوحدة التي عرفت بعملياتها "الصاخبة"، لم يتم تأسيسها لتنفيذ عمليات "إنقاذ الرهائن" وعمليات "مكافحة الإرهاب". إذ نفذت عمليات استخباراتية وأنشطة جمع معلومات تعد الأكثر سرية في تاريخ إسرائيل.
وزعم باراك في كتابه، أن المعلومات التي نجحت سَرِيّة هيئة الأركان في جمعها، من أهم أسباب النصر الإسرائيلي في حرب عام 1967، وعبّر عن يقينه من أن المعلومات التي قدمتها السَرِيّة كان باستطاعتها تلافي الهزيمة الإسرائيلية عام 1973.
سَرِيّة هيئة الأركان الإسرائيلية العامة... وحدة استخبارات
وبحسب باراك، أُنشئت السَرِيّة بمبادرة شبه مستقلة لعدد من الضباط المخضرمين. ألحق بها عناصر من الوحدات الخاصة، ودربت جنود الكوماندوز على وضع معدات تنصت "خلف خطوط العدو" وتشغيلها والاحتفاظ بها في أماكن زرعها. وخضع عناصرها لتدريب شامل يمّكنهم من التعامل مع جميع السيناريوهات، أهمها تنفيذ مهمتهم دون الكشف عن هويتهم أو ترك أي أثر.
التحق إيهود بروغ (الذي سيغير اسمه لاحقًا إلى باراك)، وهو من سكان إحدى المستوطنات الزراعية التعاونية (كيبوتس)، للوحدة عام 1960، حين كانت نواتها الأساسية مكونة من 20 جنديًا. وقال باراك في كتابه إنه "كان من المفترض أصلا أن يخدم في كتيبة مشاة مدرعة، ولكنه عيّن في الوحدة بعد أن سمع ضباطها أنه (باراك) نجح بصناعة أدواته الخاصة لاختراق الأقفال واقتحام مستودع ذخيرة في الكيبوتس، بالإضافة لقدرته على الملاحة البريّة لمسافات وبراعته بالتعرف على الجهات"، كما ادعى في كتابه.
تدرب عناصر الوحدة، لمدة عامين، على السير والملاحة الليلية باستخدام بوصلة وبالاعتماد على النجوم فقط، موضحة بالتفصيل كيف تدرب الجنود دون توقف، حتى قرر ضباطهم أنهم مستعدون، بحسب باراك.
عمليات في هضبة الجولان السورية
ووفقًا لما جاء في سيرة باراك الذاتية، تلقت الوحدة أوامر بتنفيذ أولى عملياتها في آب/ أغسطس عام 1963. إذ طُلب من باراك التخطيط لعملية تسلل فريق من خمسة عناصر لهضبة الجولان السورية، من أجل تثبيت جهاز تنصت على ترددات اتصالات الجيش العربي السوري. وبعد أن أعد باراك الخطة، ذهب لعرضها على رئيس الأركان في حينه، تسفي تسور، وهو الإجراء الذي أصبح فيما بعد متبعًا في جميع عمليات سَرِيّة هيئة الأركان الإسرائيلية العامة، "قبل إعطاء الضوء الأخضر لعملية قد تعرض خمسة جنود للخطر في أراضي العدو"، على حد تعبيره.
ويفصّل باراك في كتابه مجريات العملية التي يكشف عنها للمرة الأولى، والتي اعتبرها قد أدت إلى "قفزة في إستراتيجية وتاريخية للمخابرات الإسرائيلية".
وجاء في تفاصيل العملية التي أوردها باراك في مذكراته، أن أفراد المجموعة التي قادها تسلحوا بمسدس "عوزي" وقنبلتين يدويتين، وقطعوا الحدود من نقطة قريبة على كيبوتس دان باتجاه الجولان السوري، كان لديهم أوامر بالعودة في تمام الساعة الواحدة والربع بعد منتصف الليل، وفي طريق إلى وجهتهم مروا بثلاثة جنود سوريين نيام، ما أجبرهم على عبور نهر البانياس، الذي كان تياره جارفًا ومنسوب المياه فيه مرتفعًا، نظرًا للأمطار الغزيرة التي هطلت خلال تلك الفترة. وكان أعمق وأوسع من المتوقع في النقطة التي اختارها باراك للعبور. وعندما تلقى أوامر عبر اللاسلكي بالعودة، أمر رجاله بإطفاء أجهزة الاتصال. وتابع باراك سرده؛ بعد توصيل جهاز التنصت إلى أعلى عمود الهاتف، عادوا إلى إسرائيل دون ملاحظتهم بتأخير تجاوز الثلاث ساعات عن موعدهم المحدد.
واعترف باراك أن هذه العملية مثلت نموذجًا لعمليات السَرِيّة، التي تكثفت في هضبة الجولان السوري خلال الأشهر اللاحقة لنجاح عملياتها البكر، وشكلت معلومات موسعة ودقيقة والتي خدمت الجيش الإسرائيلي ومكنته من احتلال الجولان عام 1967 خلال 36 ساعة، على حد زعمه.
عمليات في شبه جزيرة سيناء
الجبهة السورية لم تكن مصدر القلق الرئيسي لإسرائيل في الستينيات. مصر لديها أكبر جيش عربي، ورئيسها جمال عبد الناصر مصمم على توحيد العالم العربي ضد إسرائيل. أكد باراك في كتابه، وأضاف، أن التنصت على الجيش المصري في عمق سيناء كان يتطلب جهازًا أكبر وأكثر قوة من ذلك الذي تم استخدامه في سورية بكثير، بحيث لن يتمكن كوماندوز النخبة من حمله على ظهورهم بكل بساطة وتثبيته في مصر. في ذلك الوقت، تلقى سلاح الجو الإسرائيلي أول مروحيات نقل كبيرة من طراز "سيكورسكي إس- 58"، وتقرر أن باراك سيقود العملية الأولى للوحدة تنفذ بواسطة طائرة مروحية.
وبالرغم من تأكيده أن "معظم تفاصيل عمليات التنصت على الجيش المصري لا تزال مصنفة على أنها سرية"، كشف باراك عن معلومات وتفاصيل جديدة، منها استشارة جيولوجيين مختصين لتحديد أفضل أماكن وضع أجهزة التنصت وأماكن تثبيتها وأساليب إخفائها عن الجنود المصريين في صحراء سيناء.
كما كشف باراك أن العملية أدت كذلك إلى قطع الاتصالات عن خطوط الهاتف في معظم منطقة الجنوب، عندما استخدموا في إحدى عمليات زرع أجهزة التنصت على الجانب المصري، مكونات غير مضادة للمياه وعوامل البرودة، دون علم أو التنسيق مع وزارة الاتصالات الإسرائيلية.
كشف باراك كذلك الطريقة التي نقلوا من خلالها جهاز التنصت من مكان هبوط الطائرة لمكان تثبيته عبر تطوير عربة من أنابيب الطائرة، تهوّن دفعها بالصحراء وتحتاج إلى ذلك شخصين اثنين فقط. ورغم تفصيله في المعلومات التقنية للعملية، أخفى باراك الكيفية التي أوصلوا بها جهاز التنصت بخط الاتصال المصري وكيفية إخفاؤه في أوائل عام 1964. علما بأنها العملية الأولى تحت قيادة رئيس الأركان الجديد، حينها، يتسحاك رابين.
وبحسب باراك شكلت المعلومات التي توفرت في أعقاب العملية أحد أسباب "النصر الإسرائيلي" في حرب حزيران 1967، حيث توفر لدى الجيش الإسرائيلي معلومات كاملة عن تحركات الجيش المصري في سيناء.
وتضمنت سيرة باراك الذاتية الكشف عن عملية ثالثة لزرع أجهزة ومعدات تنصت وقعت في أوائل السبعينيات. في هذه العملية استخدم الجيش الإسرائيلي مروحيات أكبر، وشملت العملية تنفيذ هجوم على منشآت مصرية لإخفاء وتمويه وصرف الأنظار عن المهمة الحقيقية.
حلقت المروحيات الإسرائيلية فوق قناة السويس، وكما هو الحال في عمليات سابقة، اكتشف فريق باراك صعوبة تثبيت جهاز التنصت وإخفائه، وعزم على إلغاء العملية، لكن القيادة أبلغته أن يمتلك فسحة من الوقت، ليكمل المهمى قبل شروق الشمس. أكد باراك انه في أعقاب هذه العملية، بدأت إسرائيل بالتنصت المباشر على محادثات هاتفية مصرية، لأول مرة منذ احتلالها لشبه جزيرة سيناء.
وادعى باراك أنه لو تمّت الاستفادة من الأجهزة التي تم تثبيتها خلال هذه العملية على نحو واسع قبيل حرب 1973، لتفادت إسرائيل الهزيمة.