السبت 30 سبتمبر 2017 21:00 م بتوقيت القدس
تحل الذكرى الـ17 لهبة القدس والأقصى، التي ارتقى فيها 13 شهيدا من أبناء المواطنين العرب الفلسطينيين في البلاد برصاص الشرطة الإسرائيلية، في مواجهات دامية في مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2000 عقب اقتحام أريئيل شارون باحات المسجد الأقصى المبارك بالقدس المحتلة.
بقيت ملفات مئات الجرحى والمعتقلين في حكم النسيان، وكأن شيئا لم يحدث لهم رغم مرور كل هذه الأعوام.
يفتح موقعنا في الذكرى 17 لهبة القدس والأقصى ملف الجرحى والمصابين، الذين عانوا الأمرين خلال السنوات الماضية، وسط نسيان تضحياتهم أو تناسيها، بل أن عددا منهم لا زالوا يلعقون مرارة الألم حتى يومنا هذا بسبب ما خلفته إصاباتهم من إعاقات جسدية مستديمة، وسط تنكيل مؤسسات الدولة بهم رغم تقرير لجنة "أور" الذي قالها بوضوح إن "الشرطة أفرطت في استخدام القوة العسكرية".
أحداث مفصلية
بالعودة إلى أحداث هبة القدس والأقصى، فقد انطلقت شرارتها اقتحام زعيم المعارضة اليمينية الإسرائيلية في حينه، أريئيل شارون المسجد الأقصى المبارك في 28/09/2000، أعقبها مظاهرات في القدس والضفة الغربية، سرعان ما امتدت للبلدات العربية في الجليل والمثلث والنقب والساحل، قمعتها الشرطة وأجهزة الأمن بالرصاص الحي، واستمرت المواجهات حتى العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، ارتقى فيها 13 شهيدا من الداخل الفلسطيني، هم: محمد جبارين، 23 عامًا (أم الفحم)، أحمد صيام جبارين، 18 عامًا (معاوية)، رامي غرة، 21 عامًا (جت)، إياد لوابنة، 26 عامًا (الناصرة)، علاء نصار، 18 عامًا (عرابة)، أسيل عاصلة، 17 عامًا (عرابة)، عماد غنايم، 25 عامًا (سخنين)، وليد أبو صالح، 21 عامًا (سخنين)، مصلح أبو جراد، 19 عامًا (دير البلح)، رامز بشناق، 24 عامًا (كفر مندا)، محمد خمايسي، 19 عامًا (كفر كنا)، عمر عكاوي، 42 عامًا (الناصرة)، وسام يزبك، 25 عامًا (الناصرة).
وأصيب المئات من الجرحى في تلك المواجهات، تحملت في حينه مؤسسات طبية عربية متواضعة ومشافي الناصرة إضافة لعيادات محلية عبء معالجة الجرحى ومداواتهم، وبقيت ملفات الجرحى شبه مهملة طوال السنوات، إلا بعض المساعدات القضائية من مركزي "عدالة" و"مساواة"، وبعض الدعم المالي لبعض الجرحى من قبل جمعيات وأطر أهلية.
نعرض في التقرير التالي حكاية أربعة مصابين من جرحى هبة القدس والأقصى عام 2000...
24 عملية جراحية منذ الهبة عام 2000
يسرد جريح هبة القدس والأقصى، حسام خليل من البعينة نجيدات، حكايته قائلا: "أذكر أننا وصلنا إلى مدينة أم الفحم في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، كانت قد اندلعت مواجهات عند المفرق الرئيسي حتى أن الحافلة لم تتمكن من الدخول واضررنا إلى النزول عند مفرق أم الفحم، اشتدت المواجهات بين الشبان والشرطة، وبعد برهة قصيرة أصبت برصاصتين في الفخذين، رصاصة تسمى "الدمدم" في الرجل اليسرى، وهو الذي يسبب انفجارات داخل الجسم، ورصاص حي في الفخذ الأيمن".
وأضاف أنه "مكثت في المشافي 6 شهور بشكل متواصل، وخلال تلك السنوات الماضية 384 يوما في المستشفيات، أجريت لي خلال تلك السنوات أي منذ يوم إصابتي 24 عملية جراحية، وهناك عملية جراحية لا زالت مقترحة لم أجرها بعد بسبب إرهاق الجسد، كما قال الطبيب. أعاني من إعاقة جسدية بنسبة 100%، قدرهتا مؤسسة التأمين بنسبة 75%، ولكنني أعاني كغيري ممن أصيبوا في تلك الأيام من تنكيل مؤسسة التأمين والمؤسسات بسبب خلفية إصابتي".
وعن اهتمام الهيئات والمؤسسات والدور المطلوب منها، قال خليل إنه "لم يكن هناك أي اهتمام على المستوى الرسمي، كانت مبادرات محلية في بلدي قدمت بعض المساعدات، وبعض المساعدات التي قدمتها الحركة الإسلامية قبل حظرها، أما خلاف ذلك فلا أذكر أي توجه من أي مؤسسة كانت".
15 عاما بدون أولاد بسبب الإصابة
ويروي جريح هبة القدس والأقصى، مراد صح، من عرابة حكاية إصابته، "أذكر أنني أصبت، يومها، على سفح جبل مقلس في عرابة، كانت أصابتي بالرصاص الحي في البطن، وقدرت الإصابة بأنها بالغة، وتسببت لي بإعاقة كبيرة، بالإضافة إلى تأثير ذلك على قدرة الإنجاب، أمضيت 3 شهور في المستشفى وأجريت لي العمليات الجراحية واستبدال جزء من أمعائي بأمعاء اصطناعية".
وأوضح أن "الإصابة حرمتني من نعمة الأبناء، فعلى مدار 16 عاما من زواجي حرمت من نعمة الأبناء، إلى أن رزقني الله بابني العام الماضي بعد علاج طويل، هذا إلى جانب كوني أتناول غذاء خاصا وقدرتي على العمل محدودة جدا، ورغم ذلك تنكرت لي مؤسسة التأمين تماما بداعي أن إصابتي لا تعتبر إعاقة جسدية".
وأعرب الصح عن تذمره من عدم اهتمام أي مؤسسة بمتابعة قضيته، وقال إنه "خلال كل تلك السنوات لم يزرنا أي شخص أو مؤسسة إلا في الفترة الأولى فقد كانت زيارات، ومنذ تلك السنوات لم أسمع أي شيء من أي جهة كانت".
رصاصة مطاطية بالرأس
ويروي جريح هبة القدس والأقصى، طاهر أبو صالح، من مدينة سخنين، حكايته بالقول إن "ما أذكره أنني أصبت يومها برصاصة مطاطية بالرأس، كانت إصابتي بالغة جدا، وعند وصولي إلى أحد مشافي الناصرة، قال الأطباء لطاقم سيارة الإسعاف توجهوا إلى مستشفى "رمبام" هذا إذا بقي حيا حتى يصل حيفا".
وعن متابعة قضيته ومعالجتها والاهتمام به، قال إنه "لم يقدم لي أي شيء سواء كان دعما ماليا أو معنويا، حتى أن تكاليف الإسعاف من سخنين إلى الناصرة وصولا إلى حيفا تحملتها شخصيا، لم يسألنا أي شخص أو جهة عن حالنا خلال كل هذه السنوات بعد الإصابة".
إصابة بالرصاص الحي
وقال المصاب في هبة القدس والأقصى، نضال عالم من كفر مندا إنني "أصبت عند مدخل قرية كفر مندا، كانت الإصابة بالرصاص الحي في البطن واليدين، أمضيت في الفترة الأولى 24 يوما بشكل متواصل بالمستشفى، بالإضافة إلى المراجعات المستمرة للعلاج، وقدمت دعوى قضائية ضد الدولة وحصلت على تعويض بسيط جدا مقارنة مع خطورة الإصابة".
وعن دور المؤسسات الأهلية، ورعايتها له كمصاب قال عالم إنه "لم تكن أي مؤسسة تهتم بالأمر سوى مؤسسة "عدالة" التي تابعت ملفي، قضائيا، في الفترة التي أعقبت إصابتي، ولم تكن أي توجهات أخرى من أي مؤسسة أو جمعية أو إطار كان".
تقصير متراكم
عن غياب التوثيق ورعاية ملف الجرحى، توجهنا لرئيس لجنة المتابعة في حينه، محمد زيدان، فقال لنا إنه "للحقيقة كان الاهتمام بملف الشهداء إلى حد كبير كقضية أساسية، ورغم وجود مئات الجرحى وبعضهم أصيب بجراح بالغة، غير أن الملف للأسف لم يتابع بالشكل الصحيح، وأنا اقوله بصراحة إنه كان هناك قصورا في هذا الملف، صحيح أنه كانت هناك محاولات توثيق، ولكنها لم تكن دراسة جدية، ولم يتابع الملف بشكل صحيح، بغياب أي صندوق للجنة المتابعة، وللأسف فإن الملف المالي طرح مرارا وفشلنا فيه رغم شروعنا بإقامة جمعية بدأت بالعمل ولكنها لم تستكمل عملها".
أما الفترة التي أعقبت رئاسة محمد زيدان للجنة المتابعة منذ العام 2001 فقد تولاها شوقي خطيب، وقال إن "ملف الجرحى كان متروكا لطواقم جمعيتي عدالة ومساواة الذين عملوا في هذا الموضوع، وأذكر أن هاتين الجمعيتين شكلتا ذراعا في حينه للجنة المتابعة، فكما نعرف لجنة المتابعة عبارة عن أحزاب ولم تقم بتوثيق أ متابعة هذا الملف".
وأضاف أنه "كما أذكر كان هناك صندوقا ماليا جمع مبلغا بسيطا، المبلغ كان حوالي 300 ألف شيكل تم توزيعه على بعض الجرحى، كما أعرف كان هناك توثيقا لذلك، ولكن كما نعلم لجنة المتابعة ليس فيها طاقم موظفين وصناديق لمتابعة مثل هذه الملفات".
المطالبة بطرح الملف من جديد
وقال رئيس لجنة المتابعة الحالي، محمد بركة، إنه "عُقد، مؤخرا، اجتماع تحضيري لإحياء ذكرى هبة القدس والأقصى، وتحدثت عن ملف الجرحى، إنه ملف لم يحظ بالاهتمام الكافي، وهذا غير مربوط بالذكرى".
وأشدد أنه "علينا المباشرة في عملية مسح للإصابات في أحداث هبة القدس والأقصى، ومتابعة أوضاعهم، وأعني القضية المعنوية وتوثيق هذا الفصل بشكل متكامل من حياة جماهيرنا".
وختم بركة بالقول إن "هذا الملف سيطرح على اجتماع لجنة المتابعة القادم، وبالضرورة ستتخذ الخطوات اللازمة لمتابعة هذا الملف".