الجمعة 11 اغسطس 2017 11:04 م بتوقيت القدس
ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مؤرقة بدأت بالتنامي الملحوظ في البلدات العربية وهي ظاهرة الزّواج السّري وذلك بأن يقوم شخص بالعقد على امرأة معينة ، بحضور شاهدين ، ويتمّ الاتفاق بين العاقدين والشهود على بقاء الأمر بينهما سراً ، خشية أن يطلع أولياء المرأة كأبيها وأبنائها وأخوتها ومجتمعها المحيط بها لأنّهم لو علموا بهذا الزّواج قد يمنعوه أو يعارضوه ، لعدم الرّضا عن الزّوج أو بسبب ظروف اجتماعية أخرى .
وبالمقابل يريد أيضاً الرّجل اخفاء هذا الزّواج عن زوجته الأولى وأبنائه لأنّهم لو علموا به قطعاً سيعارضوه ، ممّا سيفضي للمنازعات والمشاحنات التّي قد تفتك بالحياة الزّوجية .
حول هذه الظّاهرة المتنامية وأسبابها والمفاسد المترتبة عليها تواصل موقعنا مع المحاضر في كلية الدّعوة والعلوم الاسلامية ورئيس المجلس الاسلامي للإفتاء الشيخ الدّكتور مشهور فوّاز .
فضيلة الدّكتور مشهور فوّاز : لقد ظهر في عرفنا ما يسمّى بالزّواج السّري ، ما هي ماهية هذا الزّواج وصورته ؟
د. مشهور فواز : المقصود بالزّواج السّري الذّي بدأ ينتشر في الأيام الأخيرة هو أن يتزوج شخص بفتاة دون علم وليها ، لكن بعلم الشّاهدين فقط ، ومن أجرى العقد الذّي غالباً لا يكون مسجلاً في المحكمة الشّرعية ، وهنالك حالات نادرة يتزوج شخص بفتاة دون شهادة أحد مطلقا وإنّما يكون سرياً بين الزّوجين فقط .
ما هي الأسباب الدّافعة إلى مثل هذا الزّواج ؟
الدّكتور مشهور فوّاز : في الحقيقة هنالك أسباب عديدة تقف وراء تنامي هذه الظّاهرة ، أبرزها :
1. خشية الرّجل من اطلاع زوجته الأولى على أنّه متزوج من أخرى ، لأنّه يعلم أنّها إن علمت قد يترتب على ذلك مشاكل من الممكن أن تصل إلى الطلاق .
2. تعسّف بعض الآباء وأولياء الأمر باستعمال حق الولاية على الفتاة بحيث يمنعونها من التزوج بمن تريد ممّا يضطرها إلى الزّواج من هذا الشخص بالسّر ، وهذا وإن لم يكن مبرراً لها ، لكن تعسف الوليّ كان الدّافع الأول لمثل ذلك ، ولعلّنا نخصّص في تقرير قادم حول اكراه الفتاة على الزّواج بمن لا تريد أو منعها ممّن تريد .
3. كون المرأة تعيش بظروف اجتماعية خاصة كأن تكون مطلقة أو أرملة ومعروف أنّ مجتمعنا ينظر إلى الزواج من الأرملة والمطلقة بنظرة ظالمة جائرة ومن المؤسف أنّ الأكثر تشدداً وتطرفاً في هذا الأمر هي النّساء ، مع أنّها هي أو ابنتها أو أختها قد تكون عرضة لئن توضع في هذا الموقف ، ممّا يضطر المرأة في هذه الحالة من باب " ايش اللّي جبرك على المر ؟ قال : الأمر منه " ، أن تقبل بهذه الزّيجة السّرية طامعة بالستر أو الكفالة المعيشية ، لكن سرعان ما تكتشف أنّها قد استغلت في هذا الزّواج وتسرعت باتخاذ القرار ، فكل ما بني على أساس غير سليم لا يكون حلاً بحال من الأحوال لأنّه سرعان ما يهوي وينهار والضّرر سيكون مضاعفاً ، لأنّه قد يترك في احشائها جنيناً ويتنكر لهذه المرأة ولمن بأحشائها بل قد تنجب ويتنكر لهذا المولود وبذلك تزداد الأمور سوءا وتتفاقم .
ما حكم الشّرع في هذا الزّواج :
د. مشهور فوّاز : لا شك أنّ هذا زواج محرّم ومجرّم وباطل وهو الزّنا المقنّع ، وقد ثبتت في حرمته أدلة صحيحة صريحة منها : ما رواه أبو داود في سننه والترمذي في جامعه وابن حنبل في المسند : " لا نكاح إلا بولي" ، وفي بعض ألفاظ الحديث : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل" . وهذا ما عليه جماهير أهل العلم .
لكن من الجدير بالذّكر أنّه ليس معنى اشتراط الولاية أنّ الفتاة لا تستشار ولا تستأذن بنكاح من تقدم إليها ، وكذلك ليس لوليها ولو كان أباً أن يجبرها على الزّواج بمن لا تريد .
بالمثال يتضح المقال ، لا بدّ أن عرضت عليكم من خلال عملكم في الافتاء حالات عديدة ذات صلة بهذه الظّاهرة فهل يمكن أن تحدثنا عن بعض حالات الزّواج السّري وما ترتب عليها من مفاسد ؟
الدّكتور مشهور فوّاز : اذكر بعض الحالات المؤلمة المترتبة على هذا الزّواج على سبيل الاختصار :
1.هنالك حالة من الحالات حيث كان شخص متزوج من امرأة بالسّر ، ولم يكن أحد من أهل الزوج يعلم ، وشاء القدر أن يتوفى هذا الزوج وزوجته الثانية وأبناؤهم ولم يبق إلاّ رضيع من آثار هذه الزواج الذّي لم يتعرف عليه أحد إلاّ بعد أن تدخلنا واقنعنا أهل الزّوج بأنّ هذا الولد لهم .
2. هنالك حالات عديدة تنكر الزوج لهذا الزّواج ولم يكن لدى المرأة امكانية لاثباته لعدم معرفة الشّهود فهي لا تعرف نفسها إلى الآن هل هي مطلقة أم متزوجة ؟! فالواقع يؤكّد أنّ هذه الزّيجات المذمومة قطعاً لن تدوم بعد أن يقضي الرّجل نزوته .
3.هنالك حالات عديدة كادت تؤدّي إلى سفك دماء وقتل سواءً للمرأة أو الرّجل وذلك من طرف أولياء المرأة ، لأنّ كلاً من المرأة والرّجل على حدّ سواء قد وضعا أنفسهما في مواطن الرّيب في هذه النّكاح المذموم .
ثمّ إنّ العاقل يتعظ بغيره والشقي يتعظ بنفسه : فهنالك نموذج حيّ قد جرّب ويلات ومضآرّ هذا الزّواج وما زال يتجرّع مفاسده وهي جمهورية مصر العربية فهنالك احصائية صادرة عن وزارة التضامن الاجتماعي في جمهورية مصر هي صادمة بكل المقاييس ! تؤكد أنّ هناك 552 ألف حالة زواج عرفي أو سري والكارثة أن هذا الزواج أثمر عن انجاب 41 ألف طفل مجهولي النسب ناتج عن تلك الزيجات غير الموثقة ! .
كلمة أخيرة توجهها لكل من الرّجال والنّساء والآباء والأمهات وأولياء الأمور بخصوص هذه الظّاهرة ؟
الدّكتور مشهور فوّاز : أقول لكل من تحدثه نفسه بهذا الزّواج وعلى وجه الخصوص الفتيات .
1.إنّ الزواج القائم على السّر والكتمان ـ لا يُمكن أن يكون هو الزواج الشرعي الذي يُكوّن الأُسَرَ، ويحفظ الأنساب ، ويُنشئ علاقة المُصاهرة بين الناس .
2.مَن يُقْدِم على هذا الزّواج من الرجال، إنّما أقدم عليه لنزوة عابره لقضاء شهوته، ثم يترك المرأة إلى غيرها ، وهكذا ، وقديماً قيل : " اللّي أجا بالسّاهل بروح بالسّاهل ، واللي سهلت عليه الجيزة بسهل عليه الطّلاق " .
هذا وأوصي الآباء وأولياء الأمور بعدم التعسف والاستبداد بحق الولاية وعدم اكراه الفتاة خصوصاً الأرامل على الزّواج بمن لا تريد او منعها ممّن تريد طالما أنّ الشاب كفؤ وصاحب دين وخلق .
ولا بدّ من حملات توعية وتحذير من هذا الزّواج السّري وهذه مهمة النساء أنفسهنّ لأنّ الضحية الأولى هي المرأة من وراء هذا الزّواج !!