السبت 08 ابريل 2017 21:34 م بتوقيت القدس
يبدو أن شهر أبريل/نيسان 2017 بدأ بدايةً جيدةً لرئيس النظام في سوريا بشار الأسد، بعد ست سنواتٍ من حربٍ أهليةٍ كان بادياً في السابق أن نجاته منها تُعد أمراً غير مرجح.
ولا يزال القتال ضارياً في البلدِ الذي يتعرَّض للقصف، لكن جيشه، جنباً إلى جنب مع مجموعة الميليشيات والجيوش التي تدعم حكومته، كان له اليد العليا في القتال، ولم يكد البيت الأبيض يزيح مسألة تغيير النظام من على طاولة المباحثات، حتى قصفت القوات التابعة للنظام بلدة خان شيخون، لتقتل الناس بغاز الأعصاب سارين، يوم الثلاثاء الماضي 4 أبريل/نيسان 2017. وبعدها بيومين، صرَّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرباتٍ جويةٍ على القاعدة الجوية التي قال إنها تتضمَّن أسلحةً كيماوية.
سارعت الانتقادات المُوجَّهة إلى هذه الضربات لمهاجمة الولايات المتحدة على إلقائها باللائمةِ على الأسد، رافضةً بذلك أي دليلٍ مادي ضده، لتزعم أن من غير المعقول أن يستخدم الأسد أسلحةً كيماوية.
وتدعي روسيا والأسد أن الغاز السام قد انبعثَ من مخزنٍ لقوات المعارضة تعرَّض بالخطأ لقذيفةٍ من جانب القوات الحكومية، وقد رفض خبراءٌ هذه الحجة التي تتعارض مع الدليل المتواجد في موقعِ الهجوم.
جيش الأسد منهك
يقول بيتر فورد، السفير البريطاني السابق في سوريا، إن “الأسد ليس مجنوناً، وكان يعرف أن أي استخدام لأسلحةٍ كيماوية سيكون له نتائج عكسية، في وقتٍ كان دونالد ترامب يشير بغصن الزيتون ناحيته”.
لكن مكاسب جيش الأسد صارت أبطأ وأكثر كلفةً منذ العام 2015، إذ ضَجَر هذا الجيش بالقتال، ورغم أنه انتصرَ في معارك حاسمة، لم تضع الحربُ أوزارها بعد.
وقال جوشوا لانديس، وهو مراقب طويل الباع في الشأن السوري مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة جامعة أوكلاهوما الأميركية، إن الأسلحة الكيميائية قد تكون جذابة بالنسبة لزعيم يدير جيشاً بموارد محدودة.
وردَّ لانديس على سؤالٍ عبر تويتر عما إذا كان يعتقد أن الأسد استخدم الأسلحة الكيمياوية، قائلاً: “أعتقد أن الأسد وقادته العسكريين يريدون الانتصار، ولكن لديهم جيشاً منهكاً ومُستَنفَذَ القوى”.
وأضاف: “ساعد استخدام قنبلة ذرية في هيروشيما وناغازاكي الولايات المتحدة في الانتصار (في الحرب العالمية الثانية). لم تكن للمدينة قيمة عسكرية. الأمر أشبه بإعادة تمثيلٍ للجريمة. الصدمة والرعب”.
وتُعد مشاهد ضحايا غاز السارين وكثير منهم أطفال مُزعِجة. لكن على مدار الحرب طويلة الأمد، لم تُظهِر حكومة الأسد إلا قليلاً من التعاطف حول معاناة المدنيين وموتهم.
“تصعيد وحشي”
ووثِّقَت الكثير من الفظائع من قِبَل جميع أطراف الصراع السوري، لكن الأسد هو المسؤول عن غالبية القتلى من المدنيين. وانتهكت سوريا مراراً القوانين الدولية التي تحمي المدنيين غير المقاتلين، بدايةً من استخدامِ الأسلحة الكيميائية في 2013 وحتى قصف مستشفيات في حلب العام الماضي.
وقصف الأسد المدنيين، وقام بتجويعهم حتى الموت في المناطق الخاضعة لجماعات المعارضة لسنوات. لقد كان رهاناً وحشياً أتى بثماره حتى الأسبوع الماضي، فالدعم الروسي وتخوف الغرب من التدخل في الصراع سيحميانه من أي شيءٍ أكثر ضرراً من اللوم والغضب.
كان استخدام غاز السارين تصعيداً في الوحشية، لكن ربما يكون الأسد قد شَعَرَ بثقةٍ أكبر عقب وصف البيت الأبيض لحكمه بأنه “واقع سياسي يجب علينا قبوله”.
وقال شاشنك جوشي، الزميل الكبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ببريطانيا، إن هذا ربما دفع الأسد إلى الاعتقاد بأن خطورة الانتقام على خلفية هجومٍ كبير بالأسلحة الكيماوية تنخفض، في الوقتِ الذي كان لديه دوافع واضحة لاستخدام “تكتيكات إرهابية”.
وأضاف جوشي: “لا تخلط بين نجاح الأسد الداخلي والاستراتيجي وبين التفوق العسكري في كل مكان. إنه يصارع في أماكن داخلية عدة، وهذا في حد ذاته يمكن أن يدفعه لاستخدام تكتيكات إرهابية، فجيشه في وضعٍ سيئ”.
وأردف قائلاً: “إن استخدام الأسلحة الكيماوية في حد ذاته ليس مفاجئاً بأي حالٍ من الأحوال، مع الوضع في الاعتبار أنه قام به من قبل في 2013، ثم كرَّره عدة مرات منذ ذلك الوقت لكن على نطاقٍ أضيق. الأمر الذي نحن بصدده هو حجم وتوقيت (الهجوم)”.
تأييد للضربة
منذ هجوم السارين على ضاحية في العاصمة دمشق في 2013، وقعت هجماتٌ من قِبَل الحكومة لم يكن لها أي تداعيات تُذكر باستخدام غاز الكلور. لكن غاز السارين أكثر فتكاً، ومن السهل إثبات استخدامه من خلال التحليل، ما يجعله أقوى وأخطر الأسلحة الكيماوية.
وفي المناطق الخاضعة للمعارضة في سوريا، قوبل الهجوم بارتياحٍ لأنه قد يضع حداً للهجمات الكيماوية، ولكن بأمل أقل في وضع نهاية للقتل والمعاناة.
وقال الناشط عبد الحفيظ الحمدو: “أقرأ الآن أن هذه الضربة الجوية تهدف إلى ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية مجدداً”.
وأضاف أن الرسالة من ذلك الهجوم كانت أن الحكومة يمكنها “المضي قدماً في استخدام البراميل المتفجرة، والقنابل العنقودية، والصواريخ الفراغية، وأسلحة الفوسفور وأي نوعٍ آخر من الأسلحة فيما عدا الأسلحة الكيماوية”.