الاحد 05 مارس 2017 22:10 م بتوقيت القدس
عقد حزب الوفاء والإصلاح، أمس الجمعة، ندوة سياسية بعنوان "تشريعات محلية وعالمية وانعكاساتها على فلسطينيي الداخل"، في قاعة سينمانا في الناصرة، بمشاركة البروفيسور إبراهيم أبو جابر والمحامي حسين أبو حسين. وافتتح الندوة، التي أدارها الدكتور حسن صنع الله، رئيس الحزب الشيخ حسام أبو ليل بكلمة الحزب.
وتمحور شقّا الندوة، التي شهدت حضورا لافتا لعدد من المختصين والمتابعين للشأن الداخلي، حول التشريعات والقوانين التي يتم تشريعها في البرلمان والقضاء الإسرائيلي، ضد الفلسطينيين في الداخل، بالتوازي مع التغييرات الإقليمية والعالمية التي أثّرت على المحيط العربي، مما أتاح للمؤسسة الإسرائيلية تصعيد إجراءاتها العنصرية دون وازع.
واتفق المشاركون على ضرورة إيجاد حلول ووسائل نضالية جديدة، للبحث عن عناصر قوة تعزز من الوحدة الوطنية ومكانة الفلسطينيين في الداخل، أمام الظلم الواقع عليهم. كما أكدوا على أهمية الالتفات إلى قضية السلم الأهلي وأخذ زمام الأمور للجم جرائم العنف الحاصلة في مجتمعنا.
عملية قتل بطيء
اعتبر رئيس حزب الوفاء والإصلاح الشيخ حسام أبو ليل، أن المرحلة الحالية "خطيرة ومفصلية"، تشهد فيها الحالة الفلسطينية انقساما بينما يعاني العالم العربي من تفسخ وفوضى، مما أدى، إلى غياب الموقف العربي وبروز المؤسسة الإسرائيلية كلاعب وحيد في الميدان، ينهب ويهوّد الأرض والمقدسات في ظل التشريعات والقوانين، سواء على مستوى الكنيست أو القضاء. "ما يحدث الآن عبارة عن "عملية قتل بطئ" تمارسه السلطة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في الداخل، عبر سن قوانين وتشريعات تهدف إلى التضييق والضغط عليهم، ليؤدي ذلك بهم إما إلى الرحيل أو السير في "لعبة الأسرلة"، أو أن يخاف الفلسطيني ويتقوقع في انتظار مصيره".
ويعود استهداف السلطات لفلسطينيي الداخل، بحسب "أبو ليل"، إلى دورهم المؤثر في إحداث حالة من الوعي في الداخل والخارج إزاء قضاياهم العديدة، كالأرض والمقدسات. "تعزيز الوعي لدى أبناء الداخل الفلسطيني وانتمائهم الوطني ودفاعهم عن الثوابت، منذ تسعينيات القرن الماضي، ساهم في التأثير على الخارج من خلال الكشف عن الانتهاكات بحقنا أمام العالم أجمع، الأمر الذي تخشاه المؤسسة الإسرائيلية، عدا عن اعتقادها بتشكيل الفلسطينيين خطراً في المستقبل، الأمر الذي يستوجب حصارهم والتضييق عليهم".
وفي ظل ارتفاع حالات العنف في الداخل الفلسطيني، أكد الشيخ حسام أبو ليل، أن ما يحصل اليوم في البلدات العربية من فوضى العنف والسلاح وانتشار آفة المخدرات، يصبّ في إشغال الفلسطينيين في الداخل وتغييب دورهم وعملهم المتواصل في الحفاظ على الثوابت الوطنية، لافتًا إلى ضرورة الإبداع في استحداث وسائل جديدة في عملية الإصلاح الاجتماعي، والتي ترتكز إلى الثوابت الفلسطينية والقيم العربية والإسلامية. كما دعا إلى تعزيز الثقة بين الجمهور والقيادة في الداخل، والعمل على تقوية دور لجنة المتابعة وبناء هيئاتها، إلى جانب تعزيز التنسيق بين الأحزاب وتوحيد مواقفهم.
إرهاب الدولة ودولة الإرهاب
لم يرق للمحامي حسين أبو حسين عنوان محاضرته المعد سلفًا. "انتهاكات حقوق الانسان في ظل ما يسمى الحملة على الإرهاب". فاختار استبداله. "إرهاب الدولة ودولة الإرهاب".
نعلم من التاريخ، يوضح أبو حسين، أن القانون في أغلب الأحيان كان الأداة الطيّعة في يد السلطة، أحيانا الظالمة وأحيانا نصف الظالمة، وأحيانا أخرى تلك التي تطلق على نفسها العادلة. "القانون هو أحد الخادمين الأساسيين الطوعيين للسلطة: الأداة الاقتصادية والقانون. فليس من قبيل الصدفة أن 55% من العائلات الفقيرة داخل الخط الأخضر هي عائلات عربية، مع أن نسبتهم في البلاد تبلغ نحو 20%. هذا الأمر يدل على سياسة معينة تريد السلطة تطبيقها".
الشطب والتغييب، والقمع والإجحاف، بحق الفلسطينيين في الداخل والأراضي المحتلة، هي نماذج لما يواجهه الفلسطينيون في الداخل لدى السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ورابعة هي الإعلام، يتابع أبو حسين. "كانت السنة الأخيرة حافلة بالوقائع المرّة في ممارسة العنصرية الممنهجة، والتحريض، وإرهاب الدولة تجاه المواطنين العرب؛ ابتداء برئيس الحكومة نتنياهو وانتهاء بأصغر صحفي إسرائيلي".
الأيام... وحدة قياس جديدة
هذا هو العالم الجديد الذي يمر علينا، يستطرد أبو حسين، عالم مجنون. "يركض، يلهث ويتحول كل يوم. لم تعد الكرة الأرضية تدور بسرعتها الطبيعية، والزمن صار أقصر وتغيّرت وتيرته. فبعد أن كانت العقود إن لم تكن القرون، هي الوحدة المقياسية للتحولات الاجتماعية الكبرى، يبدو اليوم أن الأسابيع بل الأيام هي وحدة القياس الجديدة. ولا يفعل الإعلام في هذا الواقع، سوى أن يعطي طابعًا "تدويخيًّا" للأحداث المتدافعة، بعد أن تحوّل العالم، فعلًا، إلى قرية".
وبعد استعراضه لأعداد الفلسطينيين واليهود بين البحر ونهر الأردن، 6.3 مليون فلسطيني و 6.5 مليون يهودي، وعرض نماذج لانتهاكات عديدة يتعرض لها الفلسطينيون، كل وفق منطقته الجغرافية في طرفي الخط الأخضر، اعتبر أبو حسين أن هنالك مرحلة جديدة ابتدأت بعد اتفاقية أوسلو، في حين تجد المؤسسة الإسرائيلية نفسها، اليوم، أمام فرصة تاريخية لإقامة "إسرائيل الكبرى"، لا مكان للفلسطينيين بعدها بين البحر والنهر.
ونوّه أبو حسين إلى أن المؤسسة الإسرائيلية سنّت سلسلة من القوانين الأكثر عنصرية على مستوى العالم، كقانون الحاضر الغائب، في حين تدعي أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. "إسرائيل هي الأكثر إرهابا وممارسة له ضد الفلسطينيين، نرى ذلك من خلال العنصرية وممارسة القمع والتشريد والتهميش بحقهم. ما من شك أننا نقف على أعتاب مرحلة جديدة يستشعرها الجميع، وذلك يستلزم منا أن نعود إلى المصطلحات القانونية السليمة والتمسك بالثوابت الوطنية، إلى جانب إيجاد حلول ووسائل نضالية جديدة، للبحث عن عناصر قوة تعزز من الوحدة الوطنية ومكانة الفلسطينيين في الداخل، وإيجاد تحالفات كبيرة لرفع الظلم الواقع عليهم".
وحول سبل مواجهة تحديات الواقع الحالي، لفت أبو حسين إلى أنه لا مانع من التواصل الاقتصادي والسياسي مع الفلسطينيين في الضفة وغزة، مشيرا إلى أهمية الحديث عن حق العودة ومشروع فلسطيني شامل، بالإضافة إلى إعادة النظر حول جدوى الذهاب إلى البرلمان الإسرائيلي.
بعد تجربة أربعين عاما في سلك المحاماة، اختتم المحامي حسين أبو حسين، أستطيع القول إن التعويل على المحاكم الإسرائيلية كالذي يعوّل على السراب، فيصبح إنجازنا الكبير لهذا العام؛ سماح المحكمة العليا بدفن جثمان الشهيد يعقوب أبو القيعان.
أبعاد قانونية ومآلات سياسية لقانون "التسوية"
وتناول البروفيسور إبراهيم أبو جابر في مداخلته الأبعاد القانونية والمآلات السياسية لقانون "التسوية"، مستعرضا مردودات قانون التسوية الضارة على الفلسطينيين، حيث أوضح أن القانون يخوّل وزيرة العدل أييلت شاكيد (البيت اليهودي) صلاحية إصدار أوامر خاصة تضيف بموجبها مستوطنات وبؤرا استيطانية، على أن يتم الأمر بمصادقة لجنة الدستور، القانون والقضاء البرلمانية (التي يتمتع الائتلاف الحكومي فيها بأغلبية ساحقة!).
وأشار إلى أن الأمر لا يتوقف عند شرعنة القائم من المباني الاستيطانية، والمستوطنات والبؤر الاستيطانية “غير القانونية” فحسب، بل أيضا تواصل البناء الاستيطاني وتوسع القائم من المستوطنات. في حين يدعم القانون بتشجيع من حكومة إسرائيل، نقل ملكية الأراضي إلى "الدولة" مقابل حصول الفلسطينيين على أراض بديلة أو تعويضات مالية بـ 125% من قيمة أراضيهم المصادرة، على أن يحدد المخمن الحكومي قيمة هذه الأراضي، أو منحهم أراض بديلة إن طلبوا ذلك.
وأوضح أبو جابر أن مشروع قانون "التسوية" يشرعن تبييض المباني الاستيطانية المقامة على أراض خاصة باستصدار رخص بناء خاصة بها بأثر رجعي، كما يشرعن نحو 4 آلاف وحدة استيطانية إسرائيلية أقيمت في السنوات الماضية، دون الحصول على تراخيص من الحكومة. كما سيؤدي القانون إلى مصادرة 8183 دونما من الأراضي الفلسطينية الخاصة المقامة عليها البؤر الاستيطانية، والموجودة قرب المستوطنات، والمناطق الصناعية الاستيطانية.
وحذر من أن القرار يعطي ضوءا أخضر لتحويل المستوطنات الصغيرة المكونة من بضع "غرف وبركسات" إلى مستوطنات كبيرة، تحتاج لتوسيع المخطط الهيكلي ومزيدا من الأراضي لإقامة شوارع وخدمات كاملة على حساب الأراضي الفلسطينية.
تغيير "قواعد اللعبة"
وخلص البروفيسور إبراهيم أبو جابر إلى إن "قانون التسوية" سوف يؤدي مستقبلا، إلى تغيير "قواعد اللعبة" في أربع قضايا جوهرية ومركزية هي:
1. سلب الممتلكات الخاصة للفلسطينيين والاستيلاء عليها بالقوة وبطريقة "غير قانونية" (ليس في الضفة الغربية فقط، وإنما في داخل "إسرائيل" نفسها أيضا).
2. فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية، بقوة القانون، بما يتناقض جوهريا مع القانون الدولي وأحكامه.
3. تشريع استثنائي وشاذ تماما يلغي قرارات حكم قضائية نهائية صادرة عن المحكمة متعلقة بالاستيطان والاستيلاء على اراض فلسطينية.
4. وأد مشروع الدولة الفلسطينيّة المستقلّة.