إذا ذُكر الله افتخر، وإذا ذكر نفسه احتقر، وإذا ذكرت آيات الله اعتبر ،وإذا همّ بمعصيةٍ إنزجر ، وإذا ذكر ذنوبه إستغفر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد النبي الصادق الوعد الامين وعلى آله وصحبه اجمعين , فهو الذي اهتدى واكتفى واقتضى وارتضى وأبى إلا أن يكون من المسلمين وسلم تسليما كثيرا وبعد:

الشيخ حسن حشمة رحمه الله , هي رسالة مختصرة وجيزة اضعها بين يديك اخي القارئ , رسالة سجلتها ودونتها عجلة التاريخ في زمن قديم , خلّدت ذكرى طيبة ,ذكرى نفتقد قيمتها ووجودها في ايامنا, ذكرى شيخ قضى ومضى عمره في عبادة الله عز وجل , ليرقى بنفسه امام الله عز وجل .

وُلد الشيخ حسن في عام 1908 ميلادي الموافق 1326 هجري وترعرع في قرية الرينة بعد ان قدم والده من قرية عرابة الى الرينة فتعلم ونشأ في مدارس حكومية اقامتها الدولة الانجليزية في حينها عند احتلالها للدولة العثمانية ,فتعلم حتى الصف الرابع الابتدائي, وعمل الشيخ حسن بعد انهاؤه الصف الرابع الابتدائي راعيا للغنم والزراعة بالحقل مع والده , الى ان اصبح عمره ثمانية عشر عاما تزوج عام 1926 ميلادي بزوجته المرحومة رجوه داهود عزّيّة وهي من قرية صفورية المهجرة وانجبت له احدى عشر ابنا , خمسة من الذكور وستة من الاناث.

كان الشيخ حسن في البداية ينطوي على نفسه بالقراءة وحِفظ القرآن وقراءة كتب التفسير والعقيدة , حتى اكرمه الله تعالى بالعلم والاخلاق , فكان طلبه للعلم ليس بالالتحاق الى الكليات والجامعات انما علم دراسة واجتهاد وتلقي العلم الرباني على يد الشيخ محمد البورقيني رحمه الله , وكان يمتاز الشيخ حسن بحسن السيرة , وحسن السمعة والامانة والصدق وكثرة التعبد والصلاة في المسجد، حدثني رجل كبير في السن من قرية المشهد ترددت اليه في البحث عن معلومات عن جدي الشيخ حسن قائلا : عندما كنت ادخل للمسجد لاصلي كنت اشاهد الشيخ حسن واراقبه عن بُعد يضع في حذاءه الماء ويقوم بامالة الحذاء للمؤخرة كي يتجمع الماء ويُصب في مكان واحد في مؤخرة الحذاء لكي تشرب العصافير الماء منه ، كان الشيخ حسن رحمه الله يزرع اشجار من الفواكه بجانب المسجد , فلبركته كانت تثمر بكثرة , فكان يعمل على تعبئتها باكياس ويوزعها على جيران المسجد واهل القرية.

المسجد القديم في الرينة يفتقر ويفتقد لفارسا وخطيبا يقود منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكان يتقدم بخطبة الناس في البداية الشيخ قاسم خطبا, حتى وقع اختيار اهل القرية على الشيخ حسن حشمة ليكون خطيبا للمسجد , ومن حينها اصبح الشيخ حسن خطيبا للمسجد القديم يخطب الناس ويرعى الغنم .

بعد ان تم تعيين الشيخ حسن حشمة رحمه الله خطيبا واماما ومؤذنا للمسجد القديم  عام 1943 مــ  1362 هــ, كان يعتكف على نفسه في المسجد, يتقرب الى الله عز وجل بالصلاة وقراءة القرآن , وكانت له غرفة صغيرة داخل المسجد يضع فيها كتبه , يتدارس فيها , ويقرا ويجاهد نفسه بطلب العلم لله تبارك وتعالى, لا يترك المسجد الا بعد صلاة العشاء يخلد للنوم في بيته ثم يعود قبل الفجر يؤذن الفجر ويبقى الى نهاية اليوم لا يرجع لبيته الا لظرف او لامر قد حدث في البيت يعيش في روضات الجنان في بيت الله تعالى حضن دافىء وطمانينة مسكن الدين والايمان.

كان مخلصا باداء مهمته بامانة وصدق, كانت الناس تتاثر من خطبه ومواعظه , فشغل الشيخ حسن رحمه الله وظائف عديدة في المسجد فكان مؤذنا واماما وخطيبا وخادما في المسجد قاصدا ابتغاء وجه الله عز وجل, فكان يصعد على مئذنة المسجد مؤذنا بالناس للصلاه , وكان صوته جهوريا عاليا , اذ كانت القرية حينها قليلة السكان والبيوت فكان صوته يصل اركان القرية وسككها وطرقها, وكان مما تعود عليه الشيخ حسن رحمه الله ان يسبّح تسبيح الجمعة ليلة الجمعة وقبل الخطبة والذي اصبح عرفا في قريتنا الى يومنا هذا توارثناه عن ذلك الشيخ الصالح الذي زرع معالم الاثر والخير بيننا اذ ترك بصمات في نفوس الجميع لحسن عمل ذاك الشيخ الكبير, كان يسبح تسبيح الفجر قبل الاذان اعلاما للناس باقتراب وقت الاذان واعلاما للصائمين بوقت السحور , هذا همّه وفكره , لم يكن همه وفكره لمال سيقتضيه نهاية كل شهر, ولا لحقوق مدنية سيحصل عليها عند تقاعده , انما كان همه بذلك ابتغاء وجه الله عز وجل, قاصدا رضا الله تبارك وتعالى ليعد مركب الزاد العظيم لنفسه ولمجتمعه.

انتقل بكم سادة القراء الى العمل المسجدي الذي عني به الشيخ حسن بامانة واخلاص وحرصه على نظافة المسجد والحفاظ على ممتلكاته ونظافته , حيث كان يقوم ويعمل على تنظيف منافع المسجد وكان عند انتهائه من نظافة المنافع كان يملأ (اباريق الوضوء) تسهيلا على الناس لمن ياتي ويقضي حاجته يجد ابريق الوضوء ممتلئ, وخوفا من انقطاع المياه وكان يتاثر الناس ومن ياتي لقضاء حاجته ويجد الماء مقطوعة ، فيجد الابريق ممتلا فهذا من بره واحسانه وخلقه.

بقي الشيخ حسن رحمه الله عز وجل اماما وخطيبا ومؤذنا في المسجد القديم قاصدا ابتغاء وجه الله عز وجل الى ان قام اهل البلدة بهدم المسجد القديم وبناء المسجد الجديد ( مسجد الاعتصام ) عام 1990 مـ - 1410هــ  للتوسعة بعدما توسعت البلدة وزاد عدد سكانها  واقتضت الحاجة لهدم المسجد القديم لضيقة فكان لا يستوعب الكثير من المصلين وبذلك انتهت رحلة الشيخ حسن رحمه الله في المسجد القديم مع اول يوم من هدمه.

كان الشيخ حسن رحمه الله محبوبا عند اهل القرية من مختلف طوائفها , من شدة حب الناس للشيخ حسن رحمه الله كان جيران المسجد واهل القرية يرسلون الطعام له وهو صائم عند فطره وكانت الكثير من البيوت من جيران المسجد وباقي الاحياء تعلم ان الشيخ حسن صائم فترسل له الطعام الى المسجد ، ذكره اهل الخير من قرية عرابة عندما قدموا الى قرية الرينة لعقد قران ابنهم على خطيبته من قرية الرينة من ايمان وخلق الشيخ حسن رحمه الله انه عندما قام بعقد العقد  ومع احضار هوية الزوجة (المعقود عليها) كان يغطي بيده على صورتها خُلقا وايمانا وادبا منه هذا ما قالوه والحق احق ان يُقال.

توفي الشيخ حسن رحمه الله يوم الخميس الموافق عام 1990 مـــ  الموافق 1410 هـــ  عن عمر ناهز 84 عاما , والشيخ حسن في آخر حياته اشتد عليه المرض (كبر السن) فاصبح آخر ايامه لا يستطيع النزول الى المسجد لطعنه وتقدمه في السن.

ففي آخر يوم في حياته وكان يوم الخميس كان صائما , فجاء عليه ابنه الحاج نصر حشمة (ابو جمال) وسال اخته آمنه عن والده فقالت له انه يتوضأ , فسالها هل هو صائم , فقالت نعم , فقال له قولي له ان يفطر فهو كبير في السن لا يرهق ويتعب نفسه , فلم يرضى الشيخ حسن بذلك , فذهب الحاج نصر حشمة الى مسجد الشيخ حسن في البلدة الجديدة وكانوا يعملون على انهاء المراحل الاخيرة من اعمار المسجد ,  فالتقى هو والحاج ابو عاهد بصول رحمه الله وهو من رواد المسجد والقائمين على اعماره وصيانته سمعوا واذ بهم يستمعون صرخات وصوت مرتفع يخرج من بيت الشيخ حسن واذ بالشيخ حسن قد فارق الحياة .

فدوام الحال لا يدوم , فمما جعلني ان انقل وادوّن سيرة الشيخ حسن حشمة ,انما لتتناقلها الاجيال, لتمر سيرته العطرة على كل جيل من الاجيال القادمة  لتكون ذكرى في القلوب, وتخليدا لذكرى ذلك الشيخ الصالح الذي عبد الله حق العبادة ولنا في ذلك اسوة وقدوة حسنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والانبياء والصحابة الكرام والصالحين ما اعددته هو كلاما موجزا ووقفات سريعة ومختصرة عن الشيخ حسن الا انني ازف بشرى خير بإصدار كتاب عن الشيخ حسن حشمة وهو الان قيد الكتابة منذ ثلاثة سنوات نسال الله ان يجعل التمام على خير والحمد لله رب العالمين.

صهيب هاني ناجي نمر خطبا

الكلمات الدلالية : الشيخ حسن حشمة,